كتاب الحيض
  وليس لهم أن يستدلوا بقول النبي ÷: «إذا أقبل الحيض فدعي الصلاة»؛ لأن الخلاف في الحيض، ولا خلاف في وجوب ترك الصلاة عنده، وقد بينا أن مجرد الدم لا يكون حيضاً.
  فإن قيل: روي أن النبي ÷ قال: «ما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لعقول ذوي الألباب منهن» قيل له(١): وما نقصان عقولهن؟ قال: «شهادة امرأتين بشهادة رجل، ونقصان دينهن أن إحداهن تمكث نصف عمرها لا تصلي»؛ فهذا يقتضي أن من النساء من تكون حائضاً نصف عمرها، وذلك يوجب أن يكون حيضها خمسة عشر يوماً.
  فقد(٢) قيل: إن قوله: «نصف عمرها» ليس بثابت، بل في بعض الأخبار: «شطر عمرها»، وفي بعضها: «تمكث الليالي والأيام»، والشطر قد يراد به نصف الشيء، ويراد به طائفة الشيء أو ناحيته(٣)، نحو قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجۡهَكَ شَطۡرَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ}[البقرة: ١٤٤].
  على أن هذا إن ثبت لزم أبا حنيفة دوننا، فإنه يقول: إن أقل الطهر خمسة عشر يوماً، وعندنا أن أقل الطهر عشرة أيام، فعلى مذهبنا يجوز أن يكون نصف عمر المرأة حيضاً إن حسب من ابتداء البلوغ، وهذا الابتداء لا بد من أن يعتبره الشافعي.
  على أنه من المعلوم إن صح الخبر أن النبي ÷ لم يرد النصف على التحقيق، وإنما أراد نحو النصف وقريباً منه، وذلك أن من تمكث نصف عمرها حائضاً منهن لعله لم يتفق قط، فإن اتفق ذلك فعلى سبيل النادر، والمقصود فيما ذكره النبي ÷ ليس هو ما يكون نادراً في أحوالهن، بل هو كالشائع فيهن والغالب عليهن؛ ألا ترى إلى ذكره ÷ حال شهادتهن.
(١) «له» ساقط من (ب، ج، د).
(٢) في (أ، د): وقد.
(٣) في (ب): وناحيته.