باب القول في أكثر الحيض وأقله
  ومما يدل على ذلك مع أن القراءة بالتخفيف أن التحريم حصل(١) منوطاً بغايتين: إحداهما: الطهر، والأخرى: التطهر؛ لأنه تعالى قال: {وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ}[البقرة: ٢٢٢]، فلا يرتفع المنع إلا بحصولهما معاً؛ ألا ترى أن من قال لامرأته: «أنت طالق إذا دخلت الدار فصليت» لم تطلق حتى يقع منها دخول الدار والصلاة جميعاً.
  فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون قوله: {حَتَّىٰ يَطۡهُرۡنَۖ} هو الحد الذي انتهى إليه الحظر، وما بعده تأكيد له؟
  قيل له: هذا إنما يكون كذلك لو كان الكلام انقطع بعده، فأما إذا اتصل بغيره فمجموعهما الحد الذي انتهى إليه الحظر، وهذا مثل قوله تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ}[البقرة: ١٣٠]، فلم يحل لهما التراجع إلا بحصول الشرطين اللذين هما نكاح زوج آخر وطلاقه؛ لما تعلق الحكم بهما وجعلا غايتين له.
  على أن المخالف لنا في هذا ليس ينكر أن من كانت أيامها دون العشر فانقطع حيضها فلا يحل لزوجها وطؤها قبل الغسل إذا لم يمض عليها وقت صلاة (بعد تصرم الحيض، فنحن نقيس عليها التي مضى عليها وقت الصلاة) أو تكون أيامها عشراً؛ لعلة أنها لم تغتسل من حيضها من غير تعذر الغسل مع القدرة عليه، فوجب ألا يحل وطؤها.
  وتعليلهم بمن(٢) مضى عليها وقت الصلاة بأنه قد حصل لها ما ينافي الحيض - وهو وجوب الصلاة؛ إذ الوجوب عندهم(٣) بآخر الوقت - ينتقض بوجوب الغسل؛ لأن وجوب الغسل ينافي الحيض، وفرقهم بين الغسل والصلاة بأن
(١) كذا في المخطوطات. ولعلها: جعل.
(٢) كذا في المخطوطات. ولعلها: لمن.
(٣) في (أ، ج، د): عندنا. والمثبت نسخة في (ب).