باب القول في السهو وسجدتيه
  فأما ما روي عن معاوية عن النبي ÷ من أنه سجدهما قبل التسليم(١) فمعاوية عندنا لا يعمل على حديثه؛ لسقوط عدالته، وقد روي أيضاً عن غيره، ومعنا إذا ثبت الحديث: قبل التسليم الذي يقع عقيب التشهد المفعول بعد سجدتي السهو.
  فإن قيل: ما أنكرتم من أن يكون ما رويتم من قوله ÷: «بعد ما يسلم» معناه بعد ما يسلم على النبي ÷؟
  قيل له: هذا يمتنع لوجهين: أحدهما: أن التسليم في الصلاة إذا أطلق عقل التسليم الذي يخرج به من الصلاة.
  والثاني: أن حديث ابن مسعود قد فسر ذلك بأن قال: «فليتمه ثم يسلم، ثم يسجد سجدتي السهو ويتشهد ويسلم»؛ فمنع تأويلكم.
  فإن قيل: فكيف تأولتم أنتم ما رويناه من أنهما قبل التسليم على أنه قبل التسليم الثاني مع قولكم: إن إطلاق التسليم يقتضي التسليم الذي به الخروج من الصلاة؟
  قيل له: التسليم الثاني أيضاً خروج من الصلاة؛ لأنه يعود في الصلاة بسجدتي السهو، فصح تأويلنا.
  وأحاديثنا تحج من زعم أنهما في النقصان قبل التسليم؛ لأنها وردت عامة في السهو، والسهو قد يكون في الزيادة كما يكون في النقصان، على أن حديث عبدالله بن مالك أن النبي ÷ نسي أن يقعد في الركعتين فمضى وسجد سجدتي السهو بعد الفراغ من صلاته تصريح بأنهما في النقصان أيضاً بعد التسليم؛ لأنه سهو في النقصان، وسجدهما له بعد الفراغ.
(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٢/ ٤٧٢).