أحدهما: أنا إنما استدللنا بهذا الخبر على حصول اسم السفر للبريد؛ إذ لم يكن ذلك معلوماً، فأما أن مسيرة ثلاثة أيام تسمى سفراً فذلك مما⁣^(⁣١) لا إشكال فيه، كما لا إشكال فيما زاد على ذلك.

  والثاني: إذا ثبت أن البريد سفر بخبرنا لم يجز أن يكون مسيرة ثلاثة أيام أقل السفر؛ لأن ذلك يتناقض.

  فأما استدلالهم بما روي عن النبي ÷: «يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليها» على مقدار السفر - فغير صحيح؛ لأن المقصد به بيان المدة التي يجوز فيها المسح للمسافر دون بيان أقل السفر؛ ألا ترى أنه قال: «ويمسح المقيم يوماً وليلة»؟ وهذا لم يدل على أنه أقل الإقامة؛ إذ المقصود⁣^(⁣٢) به بيان مدة المسح للمقيم، دون بيان أقل الإقامة، على أنه لا خلاف في أن مسيرة ثلاثة أيام سفر تقصر فيه الصلاة، فكذلك مسيرة بريد قياساً عليها؛ والعلة أنه قد سار عن أهله بريداً.

  أو يقال: حصل مسافراً. وليس ينتقض قولنا: إنه حصل مسافراً بما دون البريد؛ إذ قلنا: إنه لا يسمى سفراً.

  فإن قيل: فإن الإجماع حصل على مسيرة ثلاثة أيام.

  قيل له: إنا لم نخالف فيه، وإنما خالفنا فيما دونه، والإجماع لم ينعقد على أنه لا تحديد دونه فيمتنع القول به، كما انعقد على أنه لا تحديد دون البريد.

  وهذا القول - أعني القول بأن أقل السفر مسيرة ثالثة أيام - هو المروي عن زيد بن علي، وقد حكي عن عبدالله بن الحسن بن الحسن ¥، وحكي لنا أن أبا عبدالله الداعي⁣^(⁣٣) ¥ كان يذهب إليه ويختاره.

(١) في (ج): ما.

(٢) في (د): المقصد.

(٣) في (أ): ابن الداعي.