باب القول في صلاة السفر والخوف
  فإن قيل: القصر رخصة، والمعصية لا تكون سبباً للرخصة.
  قيل له: القصر عندنا فرض المسافر، كما أن التمام فرض المقيم، فوجب ألا يتغير(١) بالطاعة والمعصية، ولسنا نسلم أنه رخصة، على أن كون العاصي عاصياً لا يمنعه من الرخصة إذا صار على الحال التي بها تتعلق الرخصة.
  فإن قيل: روي عن علي # أنه قال: «لا يجوز قصر الصلاة لعشرة: للمكاري، والجمال، والملاح، والراعي، والمنتجع للقطر متبعاً أثره، والعبد الآبق، والساعي في الأرض فساداً، والصياد، والسلطان يدور في سلطانه، وصاحب الضياع يدور في ضياعه يعمرها»(٢).
  قيل له: الخبر ضعيف غير موثوق به، ولو صح كان المراد به من يكون تنقله فيما دون أقل السفر.
  فإن قيل: هذا التأويل يسقط فائدة الخبر؛ لأن الناس أجمع إذا كان تنقلهم فيما دون أقل السفر لم يحز لهم القصر، فلا فائدة لتخصيص هؤلاء بالذكر.
  قيل له: ليس الأمر على ما قدرت، وذلك أن هؤلاء لهم عادة في أن يكثر منهم السير القليل، كنحو الفرسخ والفرسخين وأقل من ذلك وأكثر، يداومون عليه، فيجوز أن يكون أمير المؤمنين # نبه على أن المداومة عليه لا تجوز القصر فيه، على أن في جملتهم من يجوز أن يكون سفره طاعة لله ø، وهو أن يكون المكاري والصياد يسافران ليكسبا ما ينفقانه على عيالهما ويقضيان به ديونهما، وقد يدور السلطان المحق في سلطانه لإصلاح أحوال الرعية والثغور والرباط، فيكون سفره طاعة، بل هو جارٍ مجرى الجهاد.
  ولا بد لمن يخالفنا في هذه المسألة من أن يتأول أحوال هؤلاء بنحو من تأويلنا.
(١) في (ج، د): يعتبر.
(٢) قال في الكاشف المفيد: لم أجد الحديث عن علي #.