باب القول في صلاة الجمعة والعيدين
  فإن قيل: روي أن أول جمعة جمعت بالمدينة أربعون(١) رجلاً(٢)، وهذا يعارض ما ذكرتم.
  قيل له: التعارض يقع في أن الجمعة هي الأولى، وذلك مما لا يحتاج إليه في مسألتنا، فأما العدد فلا يقع فيه التعارض؛ لأنه لا خلاف في أن الجمعة تنعقد بأربعين وأكثر منه، وإنما الخلاف فيما دون ذلك، فيجوز أن يكونا(٣) جمعتين، إحداهما جمعت بأربعين رجلاً، والأخرى جمعت باثني عشر رجلاً، وفي ذلك جوازها بأقل من أربعين، فإذا ثبت ذلك بطل قول من قال: إنها لا تنعقد إلا بأربعين.
  فإن قيل: روي أن النبي ÷ جمع في المدينة وهم أربعون، فكان ذلك حداً به تنعقد الجمعة.
  قيل له: ذلك لا يدل على أنه هو الحد، وإنما يدل على جواز انعقادها بأربعين، وذلك مما لا خلاف فيه.
  على أنا نقيس الأربعة على الأربعين بعلة أنه عدد زائد على أقل الجمع الحقيقي، فوجب أن تنعقد الجمعة به، ويجوز أن يقال: إنه عدد زائد على ثلاثة.
  وأيضاً وجدنا الجمعة عبادة اعتبر فيها الرجال زائداً على الاثنين، فوجب أن يكون أقلهم أربعة قياساً على حد الزنى، وهذه العلة تفسد قول من جعل الحد أقل من أربعة أو أكثر منها، على أن القول بأنها تنعقد باثنين سوى الإمام لم يحك إلا عن أبي يوسف.
  وذكر الجصاص في الشرح(٤) أن هذا القول غير مشهور عنه، وضعفه.
(١) في (أ): أربعين.
(٢) أخرجه أبو داود (١/ ٣٢٥)، وابن ماجه (١/ ٣٤٣).
(٣) في (ب، ج، د): أن يكون هما جمعتين.
(٤) شرح مختصر الطحاوي (٢/ ١٣٠).