باب القول في كيفية وجوب الزكاة
  فإن قيل: عموم قوله: {وَالْغَٰرِمِينَ} يقتضي أن كل غارم يأخذها.
  قيل له: إنما قام الدليل على أن الزكاة تؤخذ بالفقر، وأن الأصناف أصناف الفقراء تقتضي تخصيصه، وسنبين الكلام من بعد فيه إذا انتهينا إلى موضعه.
  ويدل على ذلك أنه لا خلاف بيننا وبين من خالفنا في هذه المسألة أن من كان عليه خمسة أوسق ديناً [وكان له خمسة أوسق](١) أنه يلزمه إخراج العشر، فكذلك ما اختلفنا فيه؛ بعلة أنه حق يلزمه في الذمة، فكل حق يلزمه في الذمة لا يمنع وجوب الزكاة. وهو أيضاً مقيس على ملك من لا دين عليه؛ بعلة حصول النصاب في ملكه مع حول الحول عليه، وهذه العلة لا ينقضها قولنا: إن الزكاة تمنع الزكاة؛ لأن الزكاة تستحق عندنا في العين، فمن عليه الزكاة في ماله بعينه انتقص من ملكه بمقداره، وليس كذلك الدين؛ لأنه لا يستحق معيناً.
  فإن قاسوه على الإرث بأنه مال يؤخذ بغير عوض فيجب أن يمنع الدين منه كانت علتهم منتقضة بالعشر، على أنها لو سلمت لكان قياسنا أولى؛ لأنه قياس الزكاة على الزكاة؛ ولأن الظواهر تشهد له؛ ولأنه يوجب، وقياسهم يسقط، والموجب في الزكاة عندنا أولى.
  فإن قيل: لا خلاف بيننا أن صاحب الدين إذا استوفاه زكاه لما مضى من السنين، فدل ذلك على أن المال لصاحب الدين حكماً، وإذا ثبت ذلك لم يجب أن تؤخذ زكاته ممن في يده المال.
  قيل له: هذا الذي قلتم لا معنى له؛ لأنه لا إشكال في أنه ملك لمن هو في يده وإن كان عليه الدين؛ لجواز تصرفه فيه كما يتصرف الملاك، فأولى(٢) أن تلزمه الزكاة، وهذه النكتة مما اعتمدها يحيى بن الحسين # في الدلالة على المسألة، وبين بها أن المال له، وأن الزكاة يجب أن تلزمه إن كان المال له.
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٢) في (د): فالأولى.