شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الزكاة

صفحة 25 - الجزء 2

  ومما يبين أن الفرق الذي نذهب إليه بين الصلاة والزكاة لم يكن⁣(⁣١) مراد أبي بكر حين قال ما قال مع مقارة الصحابة له عليه أن الجميع قد أجمعوا أن من فرق بينهما هذا الفرق لا يحل قتاله، وهذا يحسم شغبهم في هذا الباب بواحدة.

  فإن قيل: قال الله تعالى: {وَأَقِيمُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ اُ۬لزَّكَوٰةَ}⁣[البقرة: ٤٣]، والصبي لا يدخل في وجوب الصلاة، فوجب ألا يدخل في وجوب الزكاة.

  قيل له: قد بينا أن الخطاب عندنا هو لولي اليتيم دون اليتيم، على أن الصلاة لم يصح في أدائها النيابة والتوكيل، فلم يصح أن يدخل في وجوبها من لم يكن مخاطباً، والزكاة يصح فيها النيابة والتوكيل، فلم يمتنع أن تلزم في مال من لم يصح أن يكون مخاطباً.

  ومما يدل على ذلك من طريق النظر: أنه لا خلاف في وجوب العشر وزكاة الفطر في ماله، فكذلك الزكاة، والمعنى أنه حق يصرف في الأصناف الثمانية، فوجب أن يستوي فيه الصغير والكبير.

  وأيضاً يمكن أن يقاس اليتيم على البالغ؛ بعلة وجوب زكاة الفطر والعشر في ماله، فكل من لزمت زكاة الفطر والعشر في ماله لزمه سائر الزكوات.

  وأيضاً نقيس مال اليتيم على مال البالغ، والمعنى أنه مال من يحكم له بالإسلام، فيجب أن تلزم فيه الزكاة.

  وقياسنا أولى من قياسهم الصبي على الكافر؛ بعلة أن ليس له عقد الإيمان، وذلك أن الصبي مسلم حكماً، فقياس المسلم على المسلم أولى من قياس المسلم على الكافر.

  على أن الأصول تشهد لقياسنا؛ لأنها تقتضي أن يحكم لليتيم بأحكام المسلمين فيما له وعليه.

  وكذلك وجدنا سائر الحقوق الواجبة في الأموال تؤخذ من أموال اليتيم، فكان هذا أيضاً أصلاً يشهد لقياسنا ويوجب ترجيحه.


(١) «لم يكن مراد» بدلها في المخطوطات: ثم مراد.