شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الزكاة

صفحة 44 - الجزء 2

  شيء حتى يكون أربعين درهما؛ لأنه # ذكر المائتين وما دونها على الانفراد، فدل ذلك على أن قوله: «من كل أربعين درهماً درهماً» المراد به فيما زاد على المائتين.

  قيل له: المراد بيان المقدار، وبيان أن الأوقية أربعون درهماً، دون أن يجعل ذلك نصابا؛ إذ كان قد روي: «لا زكاة فيما دون خمس أواق»، فإذا كان ما ذكرنا محتملاً لم يجب أن يحمل على الوجه الذي ذكروه.

  يدل على صحة هذا التأويل أن علياً # روى هذا الحديث، وأفتى أن الزائد على المائتين فيه الزكاة بحسابه، ولا يجوز أن يروي الحديث عن النبي ÷ وهو يقول بخلافه، فدل على أنه # عرف من تأويل الحديث ما ذكرناه.

  فإن قيل: روي عن معاذ أن رسول الله ÷ أمره حين وجهه إلى اليمن ألا يأخذ من الكسور شيئاً، فإذا بلغ الورق مائتي درهم أخذ خمسة دراهم، ولا يأخذ مما زاد حتى يبلغ أربعين درهماً، فيأخذ درهماً⁣(⁣١).

  قيل له: لا يمتنع أن يكون ما في الحديث من قوله: إذا بلغ الورق مائتي درهم أخذ خمسة دراهم، ولا يأخذ مما زدا حتى يبلغ أربعين، قول الراوي؛ إذ ليس فيه ما يدل على أنه قول النبي ÷، بل فيه ما يدل على أنه قول الراوي؛ لأنه حكاية قول معاذ؛ ألا ترى أنه قال: فإذا بلغ الورق كذا أخذ كذا؟ وهذا لأن يكون قول الراوي أولى؛ لأن النبي ÷ إنما يأمر ويحكم، فأما حكاية فعل الصحابي فالأشبه أن تكون من قول الراوي عنه.

  ويحتمل أيضاً أن يكون المراد به أنه لم يكن يأخذ درهماً كاملاً إلا إذا بلغ أربعين، فيكون الغرض بيان أن مقدار المأخوذ لا يتغير كما يتغير في زكاة المواشي.

  وهو مقيس على زكاة ما أخرجت الأرض في أنه لا عفو له بعد أن يبلغ الحد الذي تجب فيه الزكاة بالإجماع بعلتين: إحداهما: أنه لا ضرر في وقوع الاشتراك


(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٢/ ٢٢٨).