شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في زكاة المواشي

صفحة 68 - الجزء 2

  فخرج معي حتى قدمنا على رسول الله ÷ فقال له: «ذلك الذي عليك، فإن تطوعت خيراً آجرك الله فيه وقبلناه»، فصار ذلك مأخوذاً على وجه البدل؛ إذ بعضه تطوع، وليس في فرض الإبل بعض ناقة.

  قيل له: عن هذا جوابان: أحدهما: أن يقال: إن جميعه فرض، وهو أعلى الفرضين، ومعنى قوله ÷: «فإن تطوعت خيراً آجرك الله»: إن تطوعت بالعدول عن أخف الفرضين إلى أثقلهما، لا أن بعضه فرض وبعضه غير فرض، وفي هذا ما يسقط كونه مأخوذاً على وجه البدل.

  والجواب الثاني: أن يقال: إنه إذا سمح بأن يعطي من جنس ما وجبت الزكاة فيه أفضل مما وجب عليه صار بعض ذلك فرضه، ويكون مخيراً بين إخراجه على أن يسمح بما زاد عليه وبين إخراج الواجب عليه، فيكون الفرض على هذا متعلقاً بعينه، ولا يكون مأخوذاً على سبيل البدل، فعلى كلا الجوابين يسقط تعلقهم بما تعلقوا به.

  فإن قيل: روي عن معاذ أنه قال لأهل اليمن: «ائتوني بالبعض ثياباً آخذه منكم، فهو أهون عليكم وخير للمهاجرين والأنصار بالمدينة»⁣(⁣١)، فدل ذلك على جواز أخذ القيمة؛ إذ ليس في شيء من الزكوات ثياب تؤخذ.

  قيل له: قد قيل: إنه أراد بذلك الجزية دون الزكاة، واستدل على ذلك بأنه قال: خير للمهاجرين بالمدينة، والزكاة يكره إخراجها من بلد وفيه فقير، وقد قال له ÷: «خذ من أغنيائهم، ورد في فقرائهم». على أن قوله: «هو خير للمهاجرين بالمدينة»، يدل من وجه آخر على أن المراد به الجزية؛ لأن في المهاجرين من لا تحل له الصدقة لغناه، وفيهم من لا تحل له لنسبه، فلما أطلق معاذ القول في ذلك علم أنه أراد به ما يجوز صرفه إلى جميعهم، وهو الجزية، على


(١) أخرج نحوه الدارقطني في السنن (٢/ ٤٨٧)، والبيهقي في السنن الكبرى (٤/ ١٨٩، ١٩٠) وفيهما: بعرض ثياب.