كتاب الزكاة
  على أن النبي ÷ لم يرض بما كان من خالد من القتال يوم فتح مكة، وأنه لم يكن لخالد أن يقتل من قتل، وهذا يدل على أن الصلح كان قائماً.
  قيل له: النبي ÷ لم يقل ذلك يوم الفتح، وإنما كان بعث خالداً بعد ذلك إلى قوم يدعوهم إلى الإسلام، فقتلهم خالد، فقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما فعله(١) خالد».
  وفي الحديث المروي في هذا الباب أن خالداً أمرهم بوضع السلاح، فوضعوها، فظنوا أنهم لا يقتلون، فقتلهم، وأن النبي ÷ بعث علياً فوداهم، فكيف يظن أن ذلك كان يوم فتح مكة؟
  فإن قيل: روي أن سعد بن عبادة قال يومئذ حين تناول الراية: اليوم يوم الملحمة، فقال النبي ÷: «اليوم يوم المرحمة»، وأخذت الراية من يده(٢)، فدل ذلك على أن الدخول كان على الصلح.
  قيل له: يحتمل أن يكون قال ذلك لما كان يقوم عليه من بسط العفو كما كان فعل النبي ÷، وأن يكون كره أن يكثر القتل، وليس في هذا دليل على أن القوم لم يكونوا حرباً.
  فإن قيل: روي أن النبي ÷ حين فتح مكة.
  قيل له: هلا تنزل دارك؟ فقال: «وهل ترك عقيل لنا من رباع»(٣)، فدل ذلك على أنها فتحت صلحاً؛ لأنه لو كان فتحها عنوة لأخذ داره.
  قيل له: فمن أين لكم أن الصلح كان وقع على ألا ترد لرسول الله ÷ داره؟ على أن ذلك لو كان على ما قلتم لكان ÷ يقول: اقتضى الصلح أن يكون داري لهم، ولم يقل: «هل ترك عقيل لنا من رباع»؛ لأن خروجها عن أن
(١) في (ب): فعل. وفي (ج): من فعل.
(٢) ذكر ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج (١٧/ ٢٧٢) وابن عبدالبر في الاستيعاب (٢/ ٥٩٧).
(٣) رواه البخاري (٢/ ١٤٧)، ومسلم (٢/ ٩٨٤).