باب القول في زكاة أموال التجارة وما كان في حكمها
  أما ما كان منها للتجارة فقد مضى الكلام فيه.
  وأما ما كان للاستغلال فالأصل فيه قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}[التوبة: ١٠٤]، وهذا عام في جميع الأموال، فوجب أن تلزم الزكاة فيها بظاهر الآية.
  ويدل على ذلك ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة»، فدل هذا الخبر على وجوب الزكاة في جميع الأموال.
  وأيضاً روي عن النبي ÷ أنه قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «خذ من أغنيائهم، ورد في فقرائهم»، وقد يكون الرجل غنياً بملكه للمستغل كما يكون غنياً بملكه لسائر الأموال، فوجب أن تؤخذ ممن يكون غنياً بالمستغل كما تؤخذ ممن يكون غنياً بسائر الأموال.
  فإن قيل: روي عن النبي ÷ أنه عفا عن الإبل العوامل، وذلك يحجكم.
  قيل له: نحمله على أنها عوامل لصاحبها، لا على وجه الاستغلال منها؛ إذ أكثر العوامل كذا كانت على عهد رسول الله ÷. وكذلك نقول لمن احتج بقوله ÷: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة»، ونحمله على أن المراد به إذا كان للركوب والاستخدام.
  فإن قيل: لستم في تخصيصكم خبرنا فيما(١) اعتمدتموه من الظواهر بأولى منا إذا خصصنا ما اعتمدتموه من الظواهر بخبرنا.
  قيل له: نحن أولى بذلك؛ لأن الاستعمالين في باب الزكاة إذا كان أحدهما موجباً والآخر مسقطاً فالموجب أولى عندنا.
  ومن جهة النظر: أن مال التجارة إذا وجبت فيه الزكاة وجبت في المستغل قياساً عليه، والمعنى أن كل واحد منهما مال يبتغى به النماء بالتصرف فيه. وليس
(١) لعلها: بما.