باب القول فيما يؤخذ من أهل الذمة
  وهو محمول على الكراهة، لا على إبطال العقد لو وقع؛ لتصريحه بالمراد(١) بقوله في الأحكام: لا أحب ذلك ولا أراه؛ لئلا تبطل الأعشار. فبان من مذهبه أنهم كانوا إذا ملكوا علينا الأرضين لم يلزمهم فيها الأعشار، وفي هذا صحة تملكهم لها.
  وقد اختلف في ذلك، فمن الناس من ذهب إلى أن الذمي إذا ملك أرض العشر لزمه فيها الخراج، وهو أبو حنيفة.
  قال أبو يوسف: يؤخذ منه فيها عشران، وقال محمد: يؤخذ منه فيها العشر.
  والذي نذهب إليه أن لا شيء عليهم فيها.
  وروى محمد بن منصور عن الحسن بن صالح وشريك وسفيان في الذمي يستأجر من المسلم أرض العشر: أنه لا شيء عليه، مثل قولنا.
  والوجه في ذلك أن العشر صدقة تلزم بحكم الإسلام، فكما أن الذمي لو ملك الذهب والفضة والسائمة من الإبل والبقر والغنم لم يلزمه فيها شيء مما كان يلزمنا وجب أن تكون الأرضون كذلك، بمعنى أنها مال مملوك علينا، فلا يجب أن يلزمهم به شيء.
  وأما الخراج فإنه يجب أن يضرب على ما يفتح من بلادهم على ضرب من المصالحة، فأما ما ملكوه علينا بالعقد ولم يجر بيننا وبينهم فيه مصالحة فلا وجه لإلزامهم فيه الخراج؛ قياساً على سائر الأموال التي يملكونها علينا بالعقود.
  فإن قيل: فما وجه الكراهة لبيع الأرض منهم مع أنكم لا تكرهون بيع سائر الأموال منهم، وكذلك تمليكهم الذهب والفضة، مع أن حقوق هذه الأموال أيضاً تبطل إذا صارت أملاكاً لهم؟
  قيل له: الوجه في ذلك أن سائر الأموال قد تستهلك ولا يتأبد بقاؤها في
(١) في (أ، ب، ج): المراد.