شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في صفة من توضع فيهم الزكاة

صفحة 166 - الجزء 2

  {إِنَّمَا اَ۬لصَّدَقَٰتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَٰكِينِ}⁣[التوبة: ٦٠]، وقد علمنا أنهما في حكم الصنف الواحد، وإن كان أحدهما أشد خصاصة من الآخر.

  ويدل على ذلك أن سلمة بن صخر حين ظاهر من امرأته أمره النبي ÷ أن ينطلق إلى صاحب صدقة بني زريق ليدفع إليه صدقاتهم⁣(⁣١)، وسلمة لا بد من أن يكون من أحد الأصناف.

  ويدل على ذلك: أن الصدقة لا تخلو من أن تكون مستحقة بمجرد الاسم من هذه الأسماء، أو لمعنى هو الحاجة والفقر، أو بالاسم والمعنى، ولا يجوز أن تكون مستحقة بالاسم؛ إذ لو كانت مستحقة بالاسم كان يجب أن يستحقها الغارم وابن السبيل والمكاتب وإن كانوا أغنياء، وهؤلاء لا يستحقون منها شيئاً مع الغنى بالاتفاق، مع أن الأسماء لازمة لهم، ولا يجوز أن تكون مستحقة بالاسم والمعنى جميعاً؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون الاستحقاق في التحقيق راجعاً إلى المعنى الذي هو الفقر، بدلالة أن الفقر إذا حصل من غير اسم ابن السبيل والغارم والمكاتب حصل الاستحقاق من غير حصول الأسماء، وإن حصلت الأسماء ولم يحصل المعنى لم يحصل الاستحقاق، إلا أن يجعل للاستحقاق في كل وقت قسط، فيقال: إن الغارم إذا كان ابن السبيل وكان فقيراً استحق بالاسم ثلاثة أسهم، فإن انضاف إلى ذلك أن يكون غازياً استحق أربعة، وذلك خلاف الإجماع، فبان أن الاستحقاق راجع إلى المعنى الذي هو الفقر والحاجة.

  ومما يبين ذلك أن قول الله تعالى: {إِنَّمَا اَ۬لصَّدَقَٰتُ لِلْفُقَرَآءِ ...} إلى آخر الآية ينتظم الصدقات أجمع، لا صدقة واحدة، ومعلوم أنه لم يرد أن يكون كل جزء منها بين الأصناف؛ إذ لا خلاف أن فقيراً ما يجوز أن يعطى شيئاً من الصدقة، وأن حق سائر الفقراء ينقطع عنه، فكذلك سائر الأصناف؛ إذ قد وصل ذلك إلى


(١) أخرجه أبو داود (٢/ ١٣١)، والترمذي (٥/ ٢٥٩).