شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الزكاة

صفحة 167 - الجزء 2

  من له فيه حق، فإذا صح ذلك استدلالاً وقياساً جاز أن تدفع صدقة رجل واحد، أو عام واحد إلى صنف واحد ثم يعطى الباقون سائر الصدقات في مستقبل الأوقات.

  وإن شئت حررت القياس فقلت: لا خلاف أن بعض الصدقات يجوز دفعه إلى بعض الفقراء وإن كانت الآية اقتضت التعميم فيهم، فكذلك يجوز دفع جميعها لسنة واحدة أو أكثر من ذلك إلى بعض الأصناف؛ والعلة أنه دفع الصدقة إلى من له فيها حق. ولا يمكن نقض هذه العلة بما نقوله: إن الفقير الواحد لا يدفع إليه ما تجب فيه الزكاة، وما نقوله: إن دفعها إلى الفقراء مع مطالبة الإمام بها لا يجزي؛ لأنا عللنا بجعل حكم بعض الأصناف حكم بعض الفقراء، فما جاز في الأصل جاز في الفرع، وما امتنع في الأصل امتنع في الفرع.

  فإن قيل: فالعامل عندكم لا يأخذ بالفقر.

  قيل له: الذي يأخذه العامل يجري مجرى الأجرة على عمله، ولا نقول: إن له سهماً في الصدقة، وكذلك نقول في المؤلفة قلوبهم: إنهم لا يستحقونها، وإنما يعطون ذلك على جهة الصلاح للمسلمين، فأما الاستحقاق فهو للفقراء فقط.

  فإن قيل: فقد روي عنه ÷ أنه قال: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة ...» وذكر فيهم الغازي في سبيل الله، فبان أنه يستحق لا بالفقر؛ لأنه استثناه من جملة الغنى، فيجب أن يكون غنياً.

  قيل له: قد قال أصحابنا: إن هذا الاستثناء من غير جنسه، وهو بمعنى لكن، كأنه ÷ قال: لا تحل الصدقة لغني، لكن لغاز في سبيل الله، وهذا وإن كان صرفاً للكلام عن ظاهره فلا يمتنع ذلك بالأدلة⁣(⁣١) التي قدمناها، يؤكد ذلك ما روي عنه # أنه قال: «لا حظ لغني فيها، ولا لقوي مكتسب».


(١) في (د): بالدلالة.