باب القول في صفة من توضع فيهم الزكاة
  ووجه ما ذهبنا إليه أنه محكي عن أهل اللغة، رواه أبو بكر الجصاص عن أبي الحسن الكرخي عن ثعلب أبي العباس(١)، قال(٢): وقال أبو العباس: قيل لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا، بل مسكين. وأنشد ابن الأعرابي:
  أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد
  فسماه فقيراً مع أن له حلوبة.
  وروي عن النبي ÷: «ليس المسكين بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان، لكن المسكين الذي لا يجد ما يغنيه»(٣).
  فنفى المسكنة عمن يرده ما يعطى، وجعل المسكين من لا يجد ما يكفيه.
  ويدل على ذلك قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناٗ ذَا مَتْرَبَةٖۖ ١٦}[البلد]، وقيل في التفسير: إن(٤) الذي ألزق جلده في التراب لعريه هو ذلك.
  فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {أَمَّا اَ۬لسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَٰكِينَ يَعْمَلُونَ فِے اِ۬لْبَحْرِ}[الكهف: ٧٨]، فوصفهم بالمسكنة مع كون السفينة لهم.
  قيل له: قد روي أنها كانت لغيرهم ملكاً، وأنهم كانوا أجراء يعملون فيها، فنسبت إليهم، كما تنسب الدار إلى من يسكنها وإن لم يملكها، وعلى هذا قال الله تعالى: {لَا تَدْخُلُواْ بِيُوتَ اَ۬لنَّبِيِّ}[الأحزاب: ٥٣]، وقال في موضع لنساء النبي: {وَقَرْنَ فِے بِيُوتِكُنَّ}[الأحزاب: ٣٣]، فأضافها سبحانه تارة إلى النبي ÷ وتارة إلى أزواجه. ولا يمتنع أيضاً كون السفينة قليلة الثمن بين شركاء كثيرين، فيكون ما يخص كل واحد منهم طفيفاً نزراً.
(١) في المخطوطات: عن ثعلب عن أبي العباس. ولفظ شرح الجصاص في شرح مختصر الطحاوي (٢/ ٣٧٠): ويحكى ذلك عن أبي العباس ثعلب.
(٢) أي: أبو الحسن الكرخي.
(٣) أخرجه البخاري (٢/ ١٢٤)، ومسلم (٢/ ٧١٩).
(٤) في (ب، ج، د): إنه.