شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في صفة من توضع فيهم الزكاة

صفحة 169 - الجزء 2

  ووجه ما ذهبنا إليه أنه محكي عن أهل اللغة، رواه أبو بكر الجصاص عن أبي الحسن الكرخي عن ثعلب أبي العباس⁣(⁣١)، قال⁣(⁣٢): وقال أبو العباس: قيل لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا، بل مسكين. وأنشد ابن الأعرابي:

  أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد

  فسماه فقيراً مع أن له حلوبة.

  وروي عن النبي ÷: «ليس المسكين بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان، والأكلة والأكلتان، لكن المسكين الذي لا يجد ما يغنيه»⁣(⁣٣).

  فنفى المسكنة عمن يرده ما يعطى، وجعل المسكين من لا يجد ما يكفيه.

  ويدل على ذلك قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناٗ ذَا مَتْرَبَةٖۖ ١٦}⁣[البلد]، وقيل في التفسير: إن⁣(⁣٤) الذي ألزق جلده في التراب لعريه هو ذلك.

  فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {أَمَّا اَ۬لسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَٰكِينَ يَعْمَلُونَ فِے اِ۬لْبَحْرِ}⁣[الكهف: ٧٨]، فوصفهم بالمسكنة مع كون السفينة لهم.

  قيل له: قد روي أنها كانت لغيرهم ملكاً، وأنهم كانوا أجراء يعملون فيها، فنسبت إليهم، كما تنسب الدار إلى من يسكنها وإن لم يملكها، وعلى هذا قال الله تعالى: {لَا تَدْخُلُواْ بِيُوتَ اَ۬لنَّبِيِّ}⁣[الأحزاب: ٥٣]، وقال في موضع لنساء النبي: {وَقَرْنَ فِے بِيُوتِكُنَّ}⁣[الأحزاب: ٣٣]، فأضافها سبحانه تارة إلى النبي ÷ وتارة إلى أزواجه. ولا يمتنع أيضاً كون السفينة قليلة الثمن بين شركاء كثيرين، فيكون ما يخص كل واحد منهم طفيفاً نزراً.


(١) في المخطوطات: عن ثعلب عن أبي العباس. ولفظ شرح الجصاص في شرح مختصر الطحاوي (٢/ ٣٧٠): ويحكى ذلك عن أبي العباس ثعلب.

(٢) أي: أبو الحسن الكرخي.

(٣) أخرجه البخاري (٢/ ١٢٤)، ومسلم (٢/ ٧١٩).

(٤) في (ب، ج، د): إنه.