باب القول في صفة من توضع فيهم الزكاة
  للرجل أن يعطيهم شيئاً من زكاته.
  وأما سائر من تلزمه نفقتهم فالوجه في أنهم لا يعطون من الزكاة شيئاً أنه لا خلاف في الأبوين والولد أنهم لا يعطون، فكذلك سائر من ذكرنا؛ لعلة لزومه(١) نفقاتهم، وكل من لزمته نفقته لا يجوز أن يعطيه شيئاً من زكاته؛ لأنه يكون مخففاً عن نفسه ومنتفعاً به(٢)، ولا يجوز للإنسان أن يجعل زكاته نفعاً لنفسه.
  فإن قيل: أليس يجوز له أن يدفع زكاته إلى من له عليه دين ثم يأخذها منه بحقه؟ فقد جاز له الانتفاع بزكاته.
  قيل له: هذا لا ينتفع بنفس إعطاء الزكاة، وإنما انتفع بما سواه، ومن ذكرنا ينتفع بنفس إعطائه؛ لأنه يسقط عن نفسه ما كان واجباً عليه، فيكون قد حصل له على التحقيق الانتفاع بزكاته، وهذا لا يجوز.
  فإن قيل: فجوزوا أن يعطيه من زكاته اليسير الذي مثله لا يخفف عنه.
  قيل له: ما فرق أحد في هذا الباب بين اليسير والكثير، فإذا ثبت أن الكثير لا يجوز أن يعطى ثبت أنه لا يجوز أن يعطى اليسير.
  فأما من لم تلزمه نفقته من أقاربه فالوجه في جواز إعطائها إياه أنه لا خلاف في أنه يجوز أن يعطي الأباعد منهم، وكذلك الأدنين، والمعنى أنه لا تلزمه نفقتهم، وروي أن النبي ÷ أذن لزينب زوجة ابن مسعود أن تجعل زكاتها في بني أخيها.
  وقلنا: إنهم أولى بها من غيرهم لأن إعطاءها إياهم يجمع مع كونه أداء الواجب صلة الرحم، وقد دعا الله سبحانه العباد إليها، ومدحهم سبحانه عليها.
(١) في (د): لزوم.
(٢) في (ب): بها.