شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في صدقة الفطر

صفحة 195 - الجزء 2

  وعن علي # عن النبي ÷: «صدقة الفطر على المرء المسلم، يخرجها عن نفسه وعمن هو في عياله»، ولم يشترط النصاب.

  فكل ذلك يدل على صحة ما نذهب إليه.

  فإن قيل: تختص هذه الأخبار بما روي عنه: «في فقرائهم»، فبين أنها مأخوذة من الأغنياء.

  قيل له: هذه الصدقة مخصوصة تلزم الفقراء، بدلالة ما أخبرنا به أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ثعلبة بن أبي صعير، عن أبيه، قال: قال رسول الله ÷: «أدوا زكاة الفطر عن كل إنسان، صغير أو كبير، حر أو عبد، ذكر أو أنثى، غني أو فقير»⁣(⁣١)، وفي بعض الحديث: «أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه خيراً مما أعطى»⁣(⁣٢)، فصرح رسول الله ÷ بأنها تلزم الفقراء، على أن أبا حنيفة يذهب إلى أن من معه عشر باذنجانات يلزمه إخراج واحدة منها، فلم يجب أن يمتنع من وجوب إخراج زكاة الفطر لمن⁣(⁣٣) له قوت عشرة أيام.

  وفيه من طريق النظر أنه حق لا يزداد بزيادة المال، فوجب ألا يراعى فيه الغنى، قياساً على كفارة اليمين وفدية الأذى وسائر الكفارات.

  فأما ما يدل على أنها لا تلزم من لم يجد إلا قوت يومه وزيادة صاع [فهو]⁣(⁣٤) قول الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَيٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ اَ۬لْبَسْطِ}⁣[الإسراء: ٢٩]، وليس في البسط أظهر من أن يكون الإنسان يأكل ويخرج باقي ما عنده⁣(⁣٥) حتى لا يبقى له منه شيء، فيقعد كما قال الله: {مَلُوماٗ مَّحْسُوراًۖ ٢٩}.


(١) شرح معاني الآثار (٢/ ٤٥).

(٢) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (٢/ ٤٥).

(٣) في (ج): من.

(٤) ما بين المعقوفين من (ب، ج)، ومظنن به في (أ، د).

(٥) في (ب): ويخرج ما بقي عنده.