باب القول في كيفية الدخول في الصوم
  وأما قولهم: إن قوله ÷: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» يوجب أن يكون الصوم قبل الرؤية، وكذلك الإفطار، وضربهم المثل بمن قيل له: تسلح للحرب، وتطهر للصلاة - فقول فاسد؛ لأن قوله: «صوموا لرؤيته» كقوله تعالى: {أَقِمِ اِ۬لصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ اِ۬لشَّمْسِ}[الإسراء: ٧٨]، ولاخلاف أن الصلاة بعد الدلوك، وذلك أنه ÷ جعل أمارة وجوب الصوم والإفطار الرؤية، كما جعل تعالى أمارة وجوب الصلاة دلوك الشمس، ومن شأن ما هو أمارة للشيء أن يتقدمه، فيحصل العلم به(١)، ثم يعلم الحكم بعدها، وليس كذلك التسلح للحرب؛ لأنه كالآلة للحرب، وليس يمتنع في الآلات أن يكون فيها ما يجب تقدمه على ما هو آلته، وإن كان فيها ما لا يجب فيه، والتطهر أمر به يتوصل إلى الصلاة، فوجب أن يكون قبلها، وليس كذلك الصوم؛ لأنه لا يصح أن يقال فيه: إن يتوصل به إلى الرؤية، فبطل ذلك.
مسألة: [في أن رمضان قد يكون تسعة وعشرين يوماً]
  قال: وقد يكون شهر رمضان تسعة وعشرين يوماً وقد يكون ثلاثين يوماً.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام(٢).
  وهو قول عامة الفقهاء من أهل البيت $ وغيرهم، وحكي عن شرذمة أنهم قالوا: لا يكون أقل من ثلاثين يوماً.
  والأصل في ذلك: ما روى ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ÷: «كم قد مضى من الشهر»؟ قلنا: مضى اثنان وعشرون يوماً وبقيت ثمان. فقال ÷: «بل مضى اثنان وعشرون يوماً، وبقيت سبع، التمسوها الليلة» ثم قال: «الشهر هكذا، والشهر هكذا، ثلاث مرات وأمسك واحدة»(٣).
(١) في (ب، ج، د): بها. وفي (ب، د): به. نسخة.
(٢) الأحكام (١/ ١٩٣).
(٣) مصنف ابن أبي شيبة (٢/ ٣٣٢).