باب القول في كيفية الدخول في الصوم
  وجوبها بالمال، من شرطها النية، فلا يؤدى فرضها بنية التطوع.
  فإن قاسوه على رد الوديعة ورد الغصب بعلة أنه مستحق العين كان قياسناً أولى؛ لأنا رددنا العبادات بعضها إلى بعض، وهم ردوا العبادة إلى المعاملة؛ ولأن النية لا تأثير لها في رد الوديعة؛ ألا ترى أنه لو ردها بغير نية أصلاً أو ساهياً لوقع الرد موقعه؟ فنحن رددنا ما للنية فيه تأثير إلى ما للنية فيه تأثير، وهم ردوا ما للنية فيه تأثير إلى ما لا تأثير فيه للنية؛ ألا ترى أنهم لا يخالفون في أن الصوم لا بد فيه من النية؟ فبان أن قياسنا أولى من قياسهم. وأيضاً قياسنا يقتضي الإيجاب، وما اقتضى الإيجاب أولى مما بقاه على الأصل.
  فإن قيل: قد ثبت أن من أمسك في غير رمضان بنية الصوم من غير أن ينوي فرضه أو نفله يكون صائماً، فكذلك من أمسك في رمضان بنية الصوم يجب أن يكون صائماً صوماً شرعياً، فإذا حصل صائماً لم يخل صومه من أن يقع(١) تطوعاً، أو عن فرض سوى رمضان، أو عن رمضان، وإذا قد ثبت أنه لا يقع تطوعاً ولا عن فرض غير رمضان صح أنه يقع عن رمضان.
  قيل له: لسنا نسلم أن من صام رمضان على نحو ما ذكرت يكون صائماً صوماً شرعياً، بل قياسكم الإمساك في رمضان على الحد الذي ذكرتم [على](٢) الإمساك في غير رمضان نقلبه عليكم، فنقول: لا خلاف أن من أمسك في غير رمضان على الحد الذي ذكرتم لا يكون ذلك واقعاً عن شيء من الفرض، فكذلك إذا أمسك في رمضان على هذا الحد لا يجب أن يقع شيء من الفرض، وإذا صح ذلك لم يجب أن يكون صائماً بتة؛ لأنه لا خلاف أن الإمساك الذي لا يقع عن فرض رمضان في رمضان لا يكون صياماً، وإذا ثبت هذا بطل ما بنوا عليه كلامهم في هذا الباب، وإذا بطل أن يكون من ذكرناه صائماً بطل عامة
(١) في (أ، ج): يكون. وعليها في (أ): «يقع» نسخة.
(٢) ما بين المعقوفين مظنن به في (ب، د).