شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في كيفية الدخول في الصوم

صفحة 244 - الجزء 2

  يؤكد ذلك أن في بعض الأخبار أن النبي ÷ أمر الآكلين منهم بالقضاء⁣(⁣١)، على أن الأمر يقتضي الإيجاب ويدل عليه.

  فإن قيل: فقد روي: «من أكل فليصم بقية يومه»⁣(⁣٢)، ومعلوم أن الصوم مع الأكل لا يصح، فكذلك يجب أن يكون قوله ÷: «ومن لم يأكل فليصم».

  قيل له: قد روي بلفظ الإمساك وبلفظ الصوم، ويحتمل أن يكون الراوي بلفظ الصوم رواه على المعنى، والصوم إذا أطلق عن النبي ÷ محمول على الصوم الشرعي، ووجب أن يحمل ذلك في الذين أكلوا على الصوم اللغوي، الذي هو الإمساك؛ إذ لا خلاف أن الآكل على وجه ترك الصوم لا يكون صائماً، وليس إذا وجب حمل اللفظة الثانية على التوسع لدلالة اقتضته وجب حمل اللفظة الأولى عليه بلا دليل، سيما وقد فصل بينهما.

  فإن قيل: ما أنكرتم على من قال لكم: أجزأهم الصوم وإن لم يكونوا بيتوا النية فيه لأنه ابتدأ إيجابه من بعض اليوم؟

  قيل له: لو كان تبييت النية شرطاً في صحته لجرى تركه تبييتها مجرى الأكل في أنه يفسد الصوم، فكان يجب ألا يصح صوم من لم يبيت، كما لا يصح صوم من أكل في بعض النهار.

  فإن قيل: فكيف يصح لكم الاعتماد على حكم صوم عاشوراء وهو عندكم منسوخ؟

  قيل له: إنما نسخ الإيجاب، وليس يجب بنسخ الإيجاب نسخ سائر أحكامه، بل يجب أن يكون سائر أحكامه ثابتاً على ما كان عليه، يكشف ذلك أن النبي ÷ دل على حكمين: أحدهما: على وجوب صومه. والثاني: على جواز ترك


(١) أخرجه أبو داود (٢/ ١٩٧)، والبيهقي في السنن الكبرى (٤/ ٣٧٣).

(٢) أخرجه البخاري (٣/ ٤٤)، وأحمد في المسند (٢٧/ ٥٧).