كتاب الصوم
  التبييت للنية فيه.
  فإذا ورد النسخ على أحد الحكمين لم يقتض ذلك نسخ الآخر، فصح ما اعتمدناه، يكشف ذلك ما روي من نسخ فرض صلاة الليل(١)، ولم تنسخ سائر أحكامها.
  فإن استدلوا بحديث حفصة: «لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل».
  قيل له: هو محمول على نفي الفضل والكمال؛ للدلالة التي قلنا، أو أنه محمول على ما يجب من صوم دين.
  وهو قياس على صوم التطوع بعلة أنه نوى له من وقت لا يصلح إلا لما نوى له؛ ألا ترى أن المتطوع في بعض النهار لا يصح أن يجعل صومه لغير التطوع؟ أو يقال: إنه صوم متعلق بالعين لا بالذمة، فيشابه التطوع في أن النية في بعض النهار تجزي.
  ويقاس على التبييت؛ بعلة حصول النية قبل غروب الشمس. وقياسنا أولى من قياسهم له على ما يجب في الذمة من الصيام، بمعنى أنه فرض؛ لأنه يستند(٢) إلى نص [لا يحتمل(٣)]، وقياسهم مدفوع به، على أن قياسهم شاهد على العكس لقياسنا الثاني؛ ألا ترى أن ما قاسوه عليه لما تعلق بالذمة لم تجز النية فيه في بعض النهار؟ فدل ذلك على وجود الحكم الذي ذكرناه بوجود علتنا الثانية وعدمه بعدمها.
  فأما أبو حنيفة فلا خلاف بيننا وبينه فيما ذكرناه، وإنما الخلاف في جوازها بعد الزوال، وهي عندنا مقيسة على النية قبل الزوال، والمعنى حصول النية في بعض النهار، والأقيسة الثلاثة يمكننا أن نستدل بها على أبي حنيفة.
(١) أخرجه مسلم (١/ ٥١٣)، وأبو داود (١/ ٣٩٨).
(٢) في المخطوطات: لا يستند.
(٣) ما بين المعقوفين من المطبوع.