كتاب الصوم
  الحكم الذي هو فساد الصوم وجد بوجود الأكل وعدم بعدمه. وأصول العبادات تشهد لقياسنا؛ إذ لا خلاف أن الجماع لما كان عمده مفسداً للحج كان خطؤه كذلك، وكذلك الوقوف لما كان تركه عمداً يفسد الحج كان خطؤه كذلك، وكذلك القول في الإحرام وفي الطهارة.
  ولا خلاف بيننا وبين أبي حنيفة أن الكلام سهوه وعمده سيان في إفساد الصلاة، وأيضاً قد ثبت أن الإنسان مأمور بالإمساك عن الأكل في جميع أجزاء النهار، كما أنه مأمور بإتيان عدد الركعات في الصلاة، فإذا ترك الإمساك في بعض النهار فسد صومه، كما أنه إذا ترك بعض الركعات فسدت صلاته، والمعنى أنه ترك بعض عبادة فساد بعضها فساد كلها، لو تركها عامداً بطلت تلك العبادة، فوجب أن يستوي فيه السهو والعمد.
  فإن قاسوه على من دخل جوفه ذبابة أو غبار بعلة أنه غير قاصد إلى إبطال صومه كان ذلك منتقضاً بمن أكل بعد طلوع الفجر وعنده أن الفجر لم يطلع، أو قبل غروب الشمس وعنده أن الشمس قد غربت.
  فإن قيل: نزيد في العلة بأن نقول: وهو غير منسوب إلى التقصير.
  قيل له: هذا لا يعصم من النقض؛ لأن من أداه اجتهاده إلى أن الفجر لم يطلع وأكل لم يكن منسوباً إلى التقصير، غير أن من أكل ناسياً لا يعرى من ضرب من التقصير وإن كان معفواً؛ لأن الاحتراز من النسيان ليس بالمستحيل إذا أخذ الإنسان به نفسه واستمر على التذكر. وهو أيضاً منتقض بالمكره إذا أكل. وكذلك إن قاسوه على المحتلم بعلتهم كان الكلام فيه على نحو ما مضى، ويقال العلة في أن المحتلم ومن دخل في حلقه ذباب أو غبار لم يفسد صومه؛ لأنه حصل من غير اختيار له أو لسببه، ويكشف صحة هذه العلة أنه لو حصل مع الاختيار أفسد صومه. على أن قياسهم لو استتب لكانت قياساتنا أولى بشهادة الأصول التي ذكرناها، ولأنها تتضمن الاحتياط والإيجاب.