شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول فيما يفسد الصيام وفيما لا يفسده وفيما يلزم فيه الفدية

صفحة 269 - الجزء 2

  وعلى هذا يحمل قوله ÷: «لا شيء عليه» أي: لا إثم عليه.

  فإن قيل: فقد روي: «لا قضاء عليه»⁣(⁣١).

  قيل له: أكثر الأخبار فيها: «الله أطعمه وسقاه»، وفي بعضها: «لا شيء عليه»، فأما «لا قضاء عليه» فهو لم يرو إلا في خبر واحد، ويحتمل أن يكون الراوي زاد هذا اللفظ على طريق المعنى، حيث اعتقد أن قوله: «الله أطعمه وسقاه» وقوله: «لا شيء عليه» يفيد أن لا قضاء عليه، فإذا احتمل ذلك لم يعترض استدلالنا، على أن من أصحابنا من تأول ذلك على من سبق الشيءُ إلى حلقه وهو ساه عنه، وادعى أنه هو الظاهر؛ لأن قوله: «من أكل ساهياً» كقول من يقول: من أحدث ساهياً في أنه يفيد أن الحدث سبقه، وعلى هذا لا يصح تعلقهم به.

  فإن قيل: روي عنه #: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه».

  قيل له: ظاهر الخبر لا يفيد مذهبكم، وإنما يفيد أنهم لا يخطئون ولا ينسون، وخلاف هذا معلوم، فلا بد من تأويل الخبر، وتأويله عندنا رفع الإثم فيما أخطؤوا أو نسوا أو استكرهوا عليه، يبين ذلك أن من أكل بعد طلوع الفجر أو قبل غروب الشمس وهو غير عالم بذلك لا يسقط عنه القضاء، وإنما يسقط عنه الإثم.

  ومما يدل على ذلك قياساً ما أجمعنا عليه من أن الآكل متعمداً يفسدُ صومه، فكذلك الآكل ناسياً، والمعنى أنه حصل آكلاً في نهار رمضان، أو في نهار صومه. ويقاس على من أكل بعد طلوع الفجر أو قبل غروب الشمس بهذه العلة.

  ولا يمكنهم أن يقولوا: إن العلة فيما ذكرتم أنه قصد إلى الأكل مع ذكره للصوم، وذلك أن الحكم إنما تعلق بالأكل؛ بدلالة أنه لو قصد إلى الأكل مع ذكره للصوم ثم لم يأكل لم يفسد صومه، وإنما يفسد إذا حصل الأكل، فعلمنا أن


(١) أخرجه الدارقطني في السنن (٣/ ١٤١، ١٤٢)، والبيهقي في السنن الكبرى (٤/ ٣٨٧)، والحاكم في المستدرك (١/ ٥٩٥)، وفي مجموع الإمام زيد # (١٤٥) عن علي # قال: (من أكل ناسياً لم ينتقض صيامه، فإنما ذلك رزق رزقه الله ø إياه).