كتاب الصوم
  حتى أتي بعرق فيه تمر فقال: «خذ هذا، فتصدق به». فقال: ما بين لابتيها أفقر من أهل بيتي، فضحك رسول الله ÷ ثم قال: «أطعمه أهلك»(١).
  وروي عن مجاهد أنه قال: أمر النبي ÷ الذي أفطر يوماً من رمضان بمثل كفارة الظهار(٢).
  قيل له: الكلام في هذه الأخبار من ثلاثة أوجه: أحدها: أن الأخبار الواردة في هذا الباب تتعارض، وإذا تعارضت سقطت، وسقط الوجوب المثبت بها.
  والثاني: أنها تقتضي الاستحباب دون الإيجاب، والوجه الأول أيضاً يفضي إلى هذا الوجه الثاني.
  الثالث: أن ذلك حكم المظاهر، وأن الرجل المأمور بالكفارة كان مظاهراً.
  ونبين التعارض الذي ذكرناه في الوجه الأول بوجهين: أحدهما: أن بعض الأخبار يقتضي التخيير وبعضها يقتضي الترتيب، وهما متنافيان على ما نبينه:
  أخبرنا أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي، قال: حدثنا يونس، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رجلاً أفطر في رمضان في زمن النبي ÷، فأمره النبي ÷ أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين، أو إطعام ستين مسكيناً. فقال: لا أجد، فأتي رسول الله ÷ بعرق فيه تمر فقال: «خذ هذا فتصدق به»، فقال: يا رسول الله، إني لا أجد أحداً أحوج إليه مني، فضحك النبي ÷ حتى بدت أنيابه، ثم قال: «كله»(٣). فهذا الخبر قد جعل للمفطر التخيير.
  أخبرنا أبو العباس الحسني، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحديدي، قال: أخبرنا أبو زرعة الرازي، قال: حدثنا ابن أبي بكير، قال: حدثنا مالك، عن ابن
(١) أخرجه البخاري (٣/ ٣٢)، ومسلم (٢/ ٧٨١).
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٤/ ٣٨٦).
(٣) شرح معاني الآثار (٢/ ٦٠).