شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول فيما يفسد الصيام وفيما لا يفسده وفيما يلزم فيه الفدية

صفحة 289 - الجزء 2

  القضاء يدل على أن الحجامة لا تفسد الصوم؛ لأن إفساد الصوم للعذر كان معلوماً قبل ذلك، فكانت فائدة الترخيص إسقاط القضاء وبيان أنها لا تفسد الصوم. ولا خلاف أن الفصد لا يفسد الصيام، فكذلك الحجامة، والعلة أنه خروج دم لا يوجب الاغتسال، أو خروج دم لا يختص النساء. ويقاس بهذه العلة على الرعاف، ويرجح بسائر ما يخرج من البدن من النجاسات وغيرها في أنها لا تفطر الصائم.

  وقلنا: إنه إذا لم يخف الضعف، لما روي عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأنس أنهم قالوا: إنما كرهت الحجامة للصائم من أجل الضعف، وروى ذلك عنهم الطحاوي بأسانيده⁣(⁣١)، ولأن على الإنسان أن يقي نفسه المضار ما أمكن، قال الله تعالى: {وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَي اَ۬لتَّهْلُكَةِ}⁣[البقرة: ١٩٤].

مسألة: [في الكحل والذرورة والحقنة وصب الدهن في الإحليل والأذن والسعوط للصائم]

  قال: ولا بأس للصائم بالكحل، والذرورة، والحقنة، وصب الدهن في الإحليل والأذن، ويكره السعوط؛ لأنه ربما صار إلى الحلق.

  جميع ذلك منصوص عليه في الأحكام⁣(⁣٢).

  والأصل عند يحيى # في الصيام أنه لا يفسد إلا بالجماع، أو بالإنزال إذا فعل سببه مختاراً له، وبالأكل والشرب وما جرى مجراهما، فعلى هذا إن كل واصل إلى الجوف من جهة الحلق مفسد للصوم إذا فعله الصائم مختاراً له أو لسببه، وما عداه لا يفسد الصوم.

  ومذهب أبي حنيفة على ما حصله أبو بكر الجصاص أن كل واصل إلى الجوف يفسد الصوم، وهو قول الشافعي، وقال أبو حنيفة: صب الدهن في الإحليل لا يفسد الصوم؛ لأنه لا يصل إلى الجوف.


(١) شرح معاني الآثار (٢/ ١٠٠).

(٢) الأحكام (١/ ٢٠٣، ٢١١).