شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول فيما يفسد الصيام وفيما لا يفسده وفيما يلزم فيه الفدية

صفحة 290 - الجزء 2

  وقول أبي يوسف ومحمد: أنه لا يفسده إلا ما وصل إلى الجوف من المجاري⁣(⁣١) المعهودة.

  والحجة لذلك قول الله تعالى: {عَلِمَ اَ۬للَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ ...} الآية [البقرة: ١٨٦]، فنبه بالآية على إباحة ما كان محظوراً إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وذكر المباح، وهو الجماع، والأكل، والشرب، فدل على أن الممنوع بالصوم هو ما أباحه ليلاً بالآية، دون ما سواه، ثم قال تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ اُ۬لصِّيَامَ إِلَي اَ۬ليْلِۖ}⁣[البقرة: ١٨٦]، والصيام هو الإمساك المخصوص، فكان الإمساك المراد هو الإمساك عما تقدم ذكره.

  فأما الكحل فقد روى أبو بكر الجصاص بإسناده في الشرح يرفعه إلى محمد بن عبدالله بن [أبي]⁣(⁣٢) رافع، عن أبيه، عن جده: «أن النبي ÷ كان يكتحل بالإثمد وهو صائم»⁣(⁣٣) وهو مما لا خلاف فيه بين الفقهاء.

  فإن قيل: قوله ÷: «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» يدل على أن وصول الماء إلى الدماغ يفسد الصوم، لولا ذلك لم يكن فيه فائدة.

  قيل له: هذا لو لم يكن للأنف مجرى إلى الحلق، فأما وقد علمنا أن له مجرى إلى الحلق كما أن له مجرى إلى الدماغ فلا يمتنع أن يكون ÷ قال ذلك لئلا يصل الماء إلى الحلق ثم إلى الجوف، فيكون ذلك فائدة الخبر، ونحن نقول: إن ما وصل من الحلق إلى الجوف على هذا الوجه يفطر.

  ولا خلاف أن الكحل لا يفطر، وعند أبي حنيفة صب الدهن في الإحليل لا يفطر، فنجعل ذلك أصلاً ونقيس عليه سائر ما اختلفنا فيه؛ بعلة أنه واصل إلى


(١) ولفظ شرح مختصر الطحاوي (٢/ ٤٦٢): وأما أبو يوسف ومحمد فإنهما يعتبران وصوله إلى الجوف من مخارق البدن التي هي خلقة في بنية الإنسان.

(٢) ما بين المعقوفين من (د) وشرح مختصر الطحاوي.

(٣) شرح مختصر الطحاوي (٢/ ٤٥٩)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٤/ ٤٣٦، ٤٣٧) وفيها: محمد بن عبيدالله بن أبي رافع.