شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

باب القول في صيام النذور والظهار وقتل الخطأ

صفحة 311 - الجزء 2

  قيل له: لأنه لا خلاف أن صوم أيام التشريق يصح، فوجب أن يكون يوم النحر ويوم الفطر كذلك؛ لأنها لا تتميز عن سائر الأيام إلا بالنهي عن الصوم فيه، وقد ثبت أن النهي عن الصوم فيه لا يبطل الصوم، فثبت أن الصوم يصح فيهما.

  ويمكن أن يقاس يوم الفطر ويوم الأضحى على سائر أيام السنة في أن إيجاب النذر يصح فيها، والمعنى أنه علق إيجاب الصوم بالنهار. ولا ينتقض ذلك بمن قال: عليَّ لله أن أصوم يوم الحيض أو يوم آكل فيه؛ لأن غرضنا بالتعليل أن نسوي بين يوم الفطر ويوم النحر وبين سائر الأيام.

  ومما يدل على ذلك أن قربة الوقت لا يتعلق بها الإيجاب، فكان ذكر الوقت ووجوده كعدمه فيما يتعلق به حكم إيجاب الصوم، ويبين أن قربة الوقت لا يتعلق بها الإيجاب أنه لو قال: «لله علي صوم يوم عاشوراء وصوم يوم عرفة» ثم أفطرهما جاز قضاؤهما في غير يوم عاشوراء ويوم عرفة، ولم يلزمه أن ينتظر للقضاء يوم عاشوراء ويوم عرفة في العام القابل، ومع ذلك أن الصوم في يوم عاشوراء ويوم عرفة أفضل من الصوم في غيرهما، فثبت بذلك أن قربة الوقت لا يتعلق بها الإيجاب، وصار النذر المعلق بالوقت كالنذر المطلق في هذا الباب.

  ومما يدل على ذلك أن من نذر صيام يوم بعينه ففاته الصيام في ذلك اليوم فعليه أن يصوم يوماً مكانه، فبان أن الوقت لا معتبر⁣(⁣١) به؛ إذ الصيام يقضى مع فواته، وليس كذلك سائر ما هو شرط في صحة الصوم؛ إذ الصوم لا يصح دونه، فجرى ذلك مجرى أن يقول: «لله علي أن أصلي ركعتين في موضع بعينه» أن الموضع لا يصير شرطاً في صحة أدائهما، فبان أن كون الوقت ممنوعاً من الصيام فيه لا يخل بالنذر.

  وروي عن النبي ÷ أنه قال للتي نذرت أن تحج حافية غير مختمرة: «مروها فلتختمر ولتركب»⁣(⁣٢)، فأثبت ما كان قربة ونفى ما كان محظوراً، فكذلك ما ذهبنا إليه.


(١) في (د): يعتبر.

(٢) أخرجه أبو داود (٢/ ٤٤١)، والنسائي (٧/ ٢٠).