باب القول في الاعتكاف و [القول في] ليلة القدر
  وروي عن ابن عمر أن عمر قال للنبي ÷: إني نذرت أن أعتكف يوماً، قال: «اعتكف وصم»(١)، على أنه رأي أهل البيت $ لا أحفظ عنهم فيه خلافاً، وما كان كذلك لم يجز عندنا خلافه، وكذلك ما يروى عن علي #.
  فإن قيل: روي عن علي # أنه قال: (لا صوم على المعتكف، إلا أن يوجبه على نفسه)(٢).
  قيل له: معناه أن المعتكف إذا لم يوجب الاعتكاف على نفسه لا يجب عليه الصيام، وفائدته: التنبيه على أنه لا يجب بالدخول ما لم يكن معه إيجاب.
  ويدل على ذلك: أن الاعتكاف لفظ مجمل مفتقر إلى البيان؛ لأنه من طريق اللغة يفيد اللبث فقط، ولا خلاف أنه يفيد في الشرع سوى اللبث؛ ألا ترى أن قائلاً لو قال: «لله عليَّ أن أعتكف» لزمه الاعتكاف، وإذا قال: «لله عليَّ أن ألبث» لم يلزمه شيء، فإذا ثبت ذلك ووجدنا النبي ÷ اعتكف صائماً كان فعله بياناً له، وهو محمول على الوجوب؛ لكونه بياناً للواجب، فوجب الصيام في الاعتكاف.
  فإن قيل: فقد اعتكف ÷ في مسجده، في شهر رمضان، في العشر الأواخر منه، كما اعتكف صائماً، وشيء من ذلك لم يكن شرطاً في الاعتكاف، فكذلك الصيام.
  قيل له: لولا قيام الدليل على أن ما ذكرت ليس بشرط في الاعتكاف لوجب أن يكون الجميع شرطاً فيه.
  فإن قيل: [فقد](٣) روي عن عمر أنه قال للنبي ÷(٤): إني كنت نذرت في الجاهلية اعتكاف ليلة، فقال له: «أوف بنذرك»، واعتكاف ليلة لا يكون فيه الصيام، فثبت أن الصيام ليس شرطاً فيه.
(١) أخرجه الدارقطني في السنن (٣/ ١٨٦) وأبو داود (٢/ ٢٠٣).
(٢) أخرج نحوه ابن أبي شيبة في المصنف (٢/ ٣٣٤).
(٣) ما بين المعقوفين من (أ، ج).
(٤) «للنبي ÷» ساقط من (أ).