شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الصوم

صفحة 323 - الجزء 2

  قيل له: ألفاظ هذا الحديث مختلفة، فقد روي أنه قال: إني نذرت اعتكاف ليلة، وروي اعتكاف يوم، وروي: اعتكاف يوم وليلة، ويجوز أن يكون قال: اعتكاف يوم وليلة، فروى راوٍ: اعتكاف ليلة، وروى راوٍ: اعتكاف يوم؛ إذ من الجائز أن يعبَّر عن الزمان المشتمل على الليل واليوم بكل واحد منهما، كما قال الله تعالى لزكريا: {ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ اَ۬لنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ}⁣[آل عمران: ٤١]، وقال في سورة⁣(⁣١) أخرى: {ثَلَٰثَ لَيَالٖ سَوِيّاٗۖ ٩}⁣[مريم: ٩]، فإذا احتمل ذلك وجب حمله عليه؛ للأدلة التي ذكرناها.

  على أنه قد ثبت أن الاعتكاف حكم شرعي، ولا خلاف أن المعتكف يكون معتكفاً مع الصيام، فثبت أنه معتكف للإجماع، ولا دليل على حصول الاعتكاف بغير صيام، فلم يثبت اعتكافاً.

  ولا خلاف أن من قال: «لله عليَّ أن ألبث» لم يلزمه شيء، ومن قال: «لله عليَّ أن أعتكف» لزمه الاعتكاف، فلولا أن الاعتكاف يقتضي معنى سوى اللبث لاستوى حكم اللفظين في النذر، فإذا ثبت ذلك فلم يقل أحد بانضمام معنى إلى الاعتكاف إلا الصوم، فوجب أن يكون الصوم شرطاً فيه.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المعنى المضموم إليه هو النية؟

  قيل له: النذر لا يتناول النية؛ لأن النية تجب بوجوب المنوي، فيجب أن يحصل الوجوب للمنوي حتى تجب النية له.

  ولا خلاف أن اللبث بعرفة لا يكون قربة إلا بانضمام معنى آخر إليه، فأوجب ألا يكون اللبث في المساجد قربة إلا بمعنى آخر ينضم⁣(⁣٢) إليه، والمعنى أنه إقامة في موضع مخصوص، ولم يوجب أحد ذلك إلا أوجب الصيام.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المعنى المنضم إليه انتظار الصلاة؟


(١) في (أ): آية.

(٢) في (أ، ج) ونسخة في (د): يضم.