شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب الحج

صفحة 357 - الجزء 2

  فإن قيل: روي عن ابن مسعود أنه قرأ: «وأقيموا الحج والعمرة لله».

  قيل له: هذه قراءة ليست بمشهورة، فإن صحت حمل على أن المراد بها الندب، كما قلنا فيما روي في معناه عن النبي ÷؛ للأدلة التي ذكرناها.

  فإن قيل: روي أن سراقة بن مالك قال: يا رسول الله، عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: «لو قلت: لعامكم لوجبت، ولو وجبت لم تطيقوها»، ولولا أنها واجبة في الأصل لم يكن لقوله هذا معنى، بل كان يقول: هي غير واجبة في الأصل، وكان لا يشك في وجوب تكرارها.

  قيل له: المشهور من سؤال سراقة على خلاف هذا، وهو ما رواه أبو داود في السنن يرفعه إلى عطاء بن أبي رباح قال: حدثني جابر، قال: أهللنا مع رسول الله ÷ بالحج فقدمنا مكة لأربع خلون من ذي الحجة فطفنا وسعينا، فأمرنا رسول الله ÷ أن نحل وقال: «لولا هديي لحللت»، فقام سراقة فقال: يا رسول الله، أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال ÷: «بل هي للأبد»⁣(⁣١)، فلم يكن ذلك سؤالاً عن العمرة وحدها، بل كان سؤالاً عن التمتع بالعمرة إلى الحج، والمراد به السؤال عن الحج، كما روي من سؤال الأقرع بن حابس في غيره، ويحتمل أن يكون بعض الرواة روى ذلك بلفظ العمرة، على أن ظاهر قوله: «لو قلت: لعامكم لوجبت» يدل على أنها غير واجبة؛ لأن «لو» في كلام العرب موضوع لنفي الشيء لانتفاء غيره، وإذا كان هذا هكذا فيحتمل أن يكون المراد به أني لو خصصت بها لهذا العام لوجبت ووجبت التكرار.

  ويدل على ذلك من طريق النظر أنها عبادة مبتدأة لم يوقت شيء منها، فوجب أن تكون نفلاً قياساً على الطواف النفل. واشترطنا كونها مبتدأة لئلا تنتقض بالنذور والكفارات، وقلنا: لم يوقت شيء منها لئلا يعترض عليها الإحرام


(١) سنن أبي داود (٢/ ٢٠).