كتاب الحج
  فإن قيل: فإن النبي ÷ أهلَّ بالحج في أشهر الحج وقال: «خذوا عني مناسككم».
  قيل له: إنه ÷ أهل في آخر ذي القعدة، فقد روى أبو داود في السنن بإسناده عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله ÷ مراقبين(١) هلال ذي الحجة، فلما كان بذي الحليفة قال رسول الله ÷: «من شاء أن يهل بحجة فليهل، ومن شاء أن يهل بعمرة فليهل بعمرة»(٢)، ومع هذا فلا يجب أن يكون الإهلال بالحج في ذي القعدة.
  فإن قيل: أجزنا العدول عن هذا الوقت للدلالة التي قلنا.
  قلنا: وكذلك أجزنا العدول عن أشهر الحج للدلالة.
  على أن فعل النبي ÷ لا يتناول موضع الخلاف؛ لوقوعه في وقت مخصوص من أشهر الحج، فإذاً نحن وأنتم سواء. ونقيس الأهلة التي قبل أشهر الحج على أشهر الحج في جواز الإهلال بالحج فيها، والعلة أنه زمان يصح أن يهل فيه بالعمرة.
  ولا خلاف أن من أهل بالحج في أشهر الحج جاز فكذلك إذا أهل قبله، والمعنى أنه أحرم بالحج من يصح منه عقد الإحرام، فوجب أن يجوز إحرامه به.
  فإن قيل: أليس لا يجوز الإحرام بالظهر قبل الزوال؛ لأنه إحرام به قبل وقته، فما أنكرتم ألا يجوز الإحرام بالحج قبل أشهره؟
  قيل له: لسنا نسلم أن قبل أشهر الحج ليس بوقت للحج، فلا يلزم ما سألت، ونظير ما قلنا في ذلك من أحرم للظهر عند اصفرار الشمس لغير عذر، فإنه يكون مسيئاً ويجزيه، فكذلك من أحرم بالحج قبل أشهره؛ لأنه عدول عن وقت الاختيار، أما قبل الزوال فليس بوقت للظهر على وجه من الوجوه، لا
(١) في سنن أبي داود: موافين. قال في عون المعبود: أي مقارنين لاستهلاله، وكان خروجه قبله بخمس.
(٢) سنن أبي داود (٢/ ١٦).