باب القول فيما ينبغي أن يفعله المفرد والقارن والمتمتع
  ولا خلاف أن هدي الأضحية والتطوع يجوز الأكل منهما، فكذلك هدي القارن والمتمتع، والمعنى أنه لم يجبر به نقص محظور، ولم يجعله المهدي للفقراء، فوجب أن يكون الأكل منه جائزاً. ويعضد قياسنا قول الله تعالى: {وَمِنَ اَ۬لْأَنْعَٰمِ حَمُولَةٗ وَفَرْشاٗۖ}[الأنعام: ١٤٣] إلى قوله: {ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٖۖ}[الأنعام: ١٤٤].
  فإن قيل: فقد قال القاسم ويحيى @ في دم التمتع: إنه جبران للنقص، فكان ذلك جارياً مجرى الكفارة.
  قيل له: المراد به أنه جبران نقص بزيادة في النسك، وهي إراقة دم؛ لا أن(١) إراقة الدم جارية مجرى الكفارات؛ لأن الكفارات في الحج إنما تكون للأمور المحظورة، والقارن والمتمتع لم يرتكبا محظوراً بالإحرام، ولا أبيح لهما التمتع والقران لحال العذر، فلم يجب أن يكون حكم هديهما حكم هدي سائر الكفارات، بل كانا بالأضحية والتطوع أشبه؛ لأنه زيادة نسك.
  وقلنا: يتصدق ببعضه لقول الله تعالى: {وَأَطْعِمُواْ اُ۬لْبَآئِسَ اَ۬لْفَقِيرَۖ ٢٦}[الحج]، وقوله تعالى: {وَأَطْعِمُواْ اُ۬لْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّۖ}[الحج: ٣٤]، ولأن النبي ÷ فعل ذلك.
  وقلنا: إن أولى المساكين من قرب من رحله ومنزله لقول الله تعالى: {وَأَطْعِمُواْ اُ۬لْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّۖ}[الحج: ٣٤]، وقد قيل: إن المعتر من يَعْتَرِ رحلك؛ ولأن الصدقة على من يقرب تكون أولى، ألا ترى أن المستحب في العشور والصدقات ألا تخرج عن بلدهم وفيهم من يحتاج إليها.
مسألة: [فيما يفعله الحاج بعد الذبح والنحر]
  قال: ثم يحلق رأسه أو يقصر، وقد حل له كل شيء حرم عليه بالإحرام من الطيب والثياب وغيرهما إلا النساء.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام والمنتخب(٢).
(١) في (أ، ج): لأن.
(٢) الأحكام (١/ ٢٦٥) والمنتخب (٢١٣).