كتاب الحج
  وعندنا أن الواو توجب الترتيب شرعاً على ما بيناه في مسألة ترتيب الوضوء من كتاب الطهارة، فكأنه قال تعالى: {وَأَتِمُّواْ اُ۬لْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلهِۖ}[البقرة: ١٩٥]، وذلك لا يكون إلا إفراداً، وأقل أحوال الأمر أن يقتضي الندب، فأوجبت الآية أن الإفراد مندوب إليه ندباً زائداً على غيره.
  ومما يدل على ذلك: أنا وجدنا الدم لا يدخل في الحج إلا لجبر النقص، دليله جزاء الصيد وفدية الأذى ونحوهما، فوجب أن يكون كذلك دم القران والتمتع، وإذا ثبت ذلك ثبت أن فيهما نقصاً عن الإفراد. وهذا الدليل الذي اعتمده القاسم ويحيى @.
  فإن قيل: فأنتم تجوزون الأكل من هدي القارن والمتمتع للمهدي، فهلا دلكم ذلك على أنه ليس للنقص، بل لزيادة النسك؟
  قيل له: لا يمنع عندنا أن يكون ذلك زيادة نسك وإن كان مع ذلك جبراً للنقص، كما أن سجدتي السهو لم يجب من حيث كانتا جبراً للنقص ألا تكون عبادة زائدة، وكونه جبراً للنقص لا يمنع الأكل منه، ويكون ذلك بحسب قيام الدلالة عليه، ولا يمتنع أن يكون النقص على ضربين:
  ضرب منه محظور بالإحرام، فيكون ما يجبر به لا يجوز أكله للمهدي.
  وضرب منه نقص مفسوح له في الإتيان به وإن لم يكن له عذر، فيكون ما يجبر به مباحاً أكله.
  فإن قيل: لو كان ذلك جبراً للنقص لكان يكون على المكي الدم إذا تمتع، فإنه مع النقص إتيان لما كره له، فإذا لم يلزمه فقد ثبت أنه لم يكن للجبر.
  قيل له: لا يمتنع أن يكون هذا الجبر لم يجعل لأهل مكة تشديداً عليهم، وليس يلزمنا ما ذكرت في قولنا: إنه جبر للنقص فيما ذكرتموه، إلا ويلزمكم مثله في قولكم: إنه زيادة نسك فقط؛ لأن المكي إلى زيادة النسك أحوج متى تمتع للوجه الذي ذكرتموه، على أنا لسنا نقول: إن ذلك يكره لأهل مكة، وقد مضى