باب القول فيما يجب على المحرم توقيه
  الرأس، ولبس الثياب، واستعمال الطيب، وقتل الصيد؛ لأن شيئاً من ذلك لا يفسد الحج إذا أتى به المحرم، والجماع يفسده، وكذلك هو ممنوع منه ما بقي للإحرام حكم، وإن أبيح له سائر هذه الأشياء، ألا ترى أنه إن رمى جمرة العقبة فإن جميع هذه الأشياء تحل له قبل طواف النساء، فلما حصل للجماع هذا التغليظ وجب أن يجعل لسببه المختص به ضرب من التغليظ، وليس هو إلا المنع منه.
مسألة: [في أن المحرم لا يأكل صيداً صيد له ولا لغيره]
  قال: ولا يأكل صيداً صيد له ولا لغيره، محل اصطاده أو محرم.
  وهذا منصوص عليه في الأحكام والمنتخب(١)، وهو قول القاسم #.
  ويجوز ذلك عند أبي حنيفة إذا لم يكن المحرم اصطاده ولا دل عليه ولا أشار إليه. وعند الشافعي إذا لم يصطده ولم يُصطد له.
  والأصل في ذلك: قول الله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اُ۬لْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماٗۖ}[المائدة: ٩٨]، وهذا نص في أن تحريمه كتحريم الميتة ولحم الخنزير، وكتحريم الأخوات والأمهات، ويدل على ذلك قول الله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ اُ۬لْأَنْعَٰمِ إِلَّا مَا يُتْلَيٰ عَلَيْكُمْ}[المائدة: ٢].
  وأخبرنا أبو الحسين عبدالله بن سعيد البروجردي، قال: حدثنا سفيان بن هارون القاضي، قال: حدثنا أحمد بن يحيى الخلال، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيدالله [بن عبدالله]، عن ابن عباس(٢)، عن الصعب بن جَثَّامَة، قال: مر بي رسول الله ÷ بالأبواء أو بودان فأهديت له لحم حمار وحش فرده علي، فلما رأى في وجهي الكراهة قال: «إنه ليس بنا رد عليك، ولكنا حرم».
(١) الأحكام (١/ ٢٧٧) والمنتخب (١٩٤).
(٢) في (أ، ب، ج): عبيدالله بن أبي عياش، وفي (د) ونسخة في (ب): عبيدالله بن عباس. والمثبت هو الصواب كما في الكاشف المفيد (٢/ ٢٣٥) والبخاري (٣/ ١٣) ومسلم (٢/ ٨٥٠) وغيرها.