باب القول فيما يجب على المحرم توقيه
  ووجدنا الحلال قد أبيح له أكل الصيد في الحرم ولم يمنع منه، وإنما منع من الاصطياد والذبح، فلم يصح أن يقال في ذبحه وأكله: إن أحدهما أغلظ حكماً من الآخر؛ إذ أحدهما مباح له، والآخر محظور عليه، ألا ترى أنا لا نقول: إن الخمر أغلظ حكماً من الماء، لما كان أحدهما حلالاً والآخر حراماً، وإنما يقول من يحرم الأنبذة: إن الخمر أغلظ حكماً من الأنبذة؛ لحصول التحريم والمنع منهما جميعاً.
  وهذا الترجيح مما اعتمده يحيى بن الحسين ª في الأحكام في باب جزاء الصيد.
  ويوضح أيضاً ما ذهبنا إليه: أنا وجدنا سائر ما منع منه المحرم لا يباح له منه شيء إلا عند الضرورة، فأما غير الضرورة فلا تأثير لها، فوجب أن يكون أكل لحم الصيد كذلك. وقياسنا يقتضي الحظر، ويستند إلى ظاهر كتاب الله ø، وهو أذهب في الباب الذي وضع الإحرام عليه، فوجب أن يكون أولى.
مسألة: [في أن المحرم لا يمسك الصيد]
  قال: ولا يمسك شيئاً من الصيد.
  وهو منصوص عليه في الأحكام والمنتخب.
  قال أبو حنيفة: إن كان في يده لزمه إرساله، وإن كان في منزله لم يلزمه ذلك.
  والمسألة للشافعي على قولين، ولا يفصل بين أن يكون في يده أو في منزله في كلا القولين. وفاقاً لإطلاق يحيى # في الأحكام والمنتخب أنه لا يجوز للمحرم أن يحبس شيئاً من الصيد يدل على أنه لا يفصل بين أن يكون في يده أو في منزله في أنه يلزمه إرساله، ويؤكد ذلك تنصيصه على أن الحلال لو أخذه منه فأرسله لم يكن عليه شيء، يؤكد ذلك، ويبين أنه يرى أن ملكه يزول عنه.
  والدليل على صحة ذلك: قول الله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ اُ۬لْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماٗۖ}[المائدة: ٩٨]، وقوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّے اِ۬لصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌۖ}[المائدة: ٢]،