باب القول فيما يجب على المحرم توقيه
  فاقتضى ظاهر ذلك تحريم جميع التصرف في الصيد على المحرم، وحبسه من التصرف، فإذا حرم ذلك ثبت وجوب إرساله، ولا فرق بين أن يكون حبسه في سفره أو بيته.
  فإن قيل: إذا كان الصيد في بيته لم يكن هو المتصرف فيه، فلم يجب أن يكون ممنوعاً منه.
  قيل له: إذا كان هو الذي حصله في بيته ثم تصرف فيه أهله كان ذلك التصرف في الحكم كأنه واقع منه؛ لأن المتصرف عنه يجري مجرى الآلة له.
  ولا خلاف أنه لو اصطاده في حال الإحرام لزمه إرساله، فكذلك إذا اصطاده قبل ذلك، والعلة أنه محرم أمسك صيداً، فوجب أن يلزمه إرساله، وألا يؤثر فيه كونه معه أو في منزله. وأبو حنيفة يوافقنا على أنه إن كان في يديه لزمه إرساله وإن كان اصطياده له متقدماً، فكذلك إذا كان في منزله، بالعلة التي ذكرناها.
  وأيضاً لا خلاف أنه ممنوع من ابتداء أخذه مع الإحرام، فكذلك يجب أن يكون ممنوعاً من الاستمرار عليه، دليله الغاصب، لما كان ممنوعاً من ابتداء أخذ المغصوب كان ممنوعاً من الاستمرار على أخذه.
  فإن قيل: كونه غاصباً ليس بطار على المغصوب بعد كونه في يده، فلذلك لم يفترق حال ابتداء أخذه(١) والاستمرار عليه؛ لأن الابتداء لم يقع إلا وهو غاصب، وهذا نظيره أن يأخذه وهو محرم ثم يستمر عليه أنه لا يكون فرق بين ابتداء الأخذ والاستمرار عليه، وليس هذا موضع الخلاف، وإنما الخلاف إذا أخذه وهو غير ممنوع من أخذه ثم طرأ الإحرام عليه.
  قيل له: أما أصحاب أبي حنيفة فلا يصح لهم هذا السؤال؛ لأن أبا حنيفة يوجب إرساله إذا كان في يده سواء طرأ الإحرام على الأخذ أو طرأ الأخذ على الإحرام.
(١) في (أ): الأخذ.