باب القول فيما يجب على المحرم من الكفارات
  الصيد في الحرم يوجب القيمة، وهو الذي يخص هذا الموضع، وعلى أن وجوب الجزاء لا يسقط وجوب القيمة، وسنبينه من بعد إن شاء الله تعالى.
  والذي يدل على أنه لا بد فيه من الضمان - خلافاً لما(١) حكي من قول داود: إنه لا شيء عليه - ما رواه هناد بإسناده عن عطاء عن ابن عباس أنه قال: «في بيضتين من بيض حمام مكة درهم»، ولا مخالف له من(٢) الصحابة.
  وأيضاً وجدنا صيد الحرم قد منع من قتله لحق الغير(٣) منفرداً به عن المقتول، فوجب أن يكون مضموناً، دليله الحيوانات التي لا يؤكل لحمها إذا لم يكن منها على أحد ضرر، سواء كانت ملكاً لأحد أو لم تكن ملكاً، وذلك أن المنع من قتلها لا من شيء يرجع إلينا(٤)، وهو أنه لأمر يفعل بها لا لعوض، فيكون ظلماً، وليس كذلك حال الصيد في الحرم؛ لأنه لو كان في غير الحرم لجاز ذبحه، فالمانع من قتله ليس هو لأمر يرجع إليه، وإنما هو لأمر يرجع إلى الحرم، فوجب أن يكون تعليلنا صحيحاً.
  فإن قيل: ولم قلتم: إنه ممنوع من قتله في الحرم إذا كان القاتل حلالاً؟
  قيل له: لقول النبي ÷: «هي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها».
  فإن قيل: أليس أصحابكم يقولون في الجمل إذا صال على إنسان فقتله: لا يضمن، فكيف تصح علتكم؟
  قيل له: نحن شرطنا في علتنا أن يكون المقتول ممنوعاً من قتله، وفي الحال الذي ذكرتم لا منع من قتل الجمل، بل يصير قتله واجباً، فكيف يعترض ذلك على علتنا؟ فثبت بما ذكرنا وجوب الضمان فيه.
(١) في (أ): خلافاً على ما. وفي (ج): خلافاً على ما حكي عن. وفي (د): خلافاً لما حكي عن داود.
(٢) في (أ، ب، ج): في. وفي نسخة في (أ): من.
(٣) وهو الحرم. (من هامش ب، د).
(٤) في شرح القاضي زيد: لا لحق الغير، بل من شيء يرجع إليها. (من هامش مخ).