كتاب الحج
  واختلفوا في ماهية ضمانه، فذهب الشافعي إلى أن ضمانه ضمان الصيد إذا قتله المحرم سواء، وهو قول مالك، وعن أبي حنيفة فيه روايتان: أحدهما: الرواية المشهورة أنه مخير بين الهدي والإطعام، وهو قول أبي يوسف.
  والرواية الثانية: ذكرها أبو بكر الجصاص في شرحه المناسك لمحمد، ذكر أن الحسن بن زياد روى عن أبي حنيفة أن عليه الصدقة، وأن الهدي لا يجزيه إلا أن تكون قيمته مذبوحاً حين تصدق به قيمة الصيد.
  قال: وهو قول زفر، ولا خلاف عنه أن الصيام لا يجزي.
  وهو قريب مما نص عليه يحيى #.
  والدليل على صحته أنه منع من قتله(١) واستهلاكه لحق الغير من دون أمر يختص القاتل، فوجب أن يشهد لهذا الاعتبار سائر الأموال التي تستهلك على أربابها في أن الواجب فيها هو القيمة.
  فإن قيل: إن القياس إنما يسوغ ما لم يرفع النص، وهاهنا نص يخالف مذهبكم، وهو قول الله تعالى: {لَا تَقْتُلُواْ اُ۬لصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٞۖ ...} الآية [المائدة: ٩٧].
  قيل له: إن المحرم إذا أطلق في عرف الشرع عقل به من انعقد عليه الإحرام دون من يدخل الحرم، وإن كان لا يبعد أن يقال لمن أتى الحرم: «محرم» من جهة اللغة، كما يقال: «منجد» و «متهم» لمن أتى نجداً أو تهامة، إلا أن الخطاب الوارد عن الله تعالى يجب حمله على عرف الشرع، فإذا ثبت ذلك لم يجب أن يكون من دخل الحرم مراداً بالآية. على أن الاسم لو كان يتناولهما على التحقيق كان لا يمتنع أن نخص منه الحلال إذا قتل صيداً في الحرم بالقياس الذي ذكرناه.
  ويقال لأصحاب أبي حنيفة إذا قالوا بالرواية المشهورة عنه في هذا الباب: لا نختلف أنه لا يجزي في جزائه الصوم، فوجب ألا يجزئ فيه غير القيمة، دليله صيد المملوك.
(١) في (أ): ذبحه. وعليها: قتله. نسخة.