باب القول في الإحصار وفيمن يأتي الميقات عليلا
  وجب أن يجزئ، وليس كذلك الإحرام؛ لأنه يفتقر إلى النية، فحصوله بصفة المحرم لا يوجب له الإحرام إن لم تقارنه النية.
  قيل له: الإحرام مع افتقاره إلى النية مما تصح النيابة فيه بالإجماع، فإذا ثبت ذلك ثبت أن نية الغير تقوم مقام نية الذي وقعت النيابة عنه حتى يكون في الحكم كأنه قد نوى، وإذا صح ذلك وقعت نية الذين يجردونه ويعقدون عليه الإحرام عنه كأنه هو الذي نوى، على أن من يخالفنا في هذا لا يمنع أن يعقد الرجل على ابنه الصغير وتكون نيته قائمة مقام نية الابن، فلا يصح منهم إفساد ما ذكرناه لفقد نية من عقد عليه الإحرام.
  فإن قيل: كيف يصح لكم الاعتماد على عقد الرجل الإحرام على عقد ابنه الصغير وأنتم لا تقولون به؟
  قيل له: غرضنا أن نبين أنه لا يمتنع الاتفاق أن تقع نية عاقد الإحرام عن المعقود عنه، ونحن لم نمنع عقد الرجل الإحرام على ابنه الصغير لأمر يرجع إلى النية، وإنما منعنا منه لأمر سواه. على أن الوقوف إنما صح على الوجه الذي بيناه للنية المتقدمة؛ لأن الوقوف لا خلاف في أنه عبادة، والعبادة لا بد فيها من النية، إلا أن النية ربما أجزت وإن تقدمت ولم تكن مقارنة، كما أجمعنا عليه أن الصوم يقع صحيحاً بنية متقدمة له، وإذا ثبت هذا لم يمتنع أن يصح إحرام من ذكرناه لنيته المتقدمة.
  ويقال لأبي يوسف ومحمد وأصحابهما: لا خلاف أنه إذا طيف به مغمى عليه أنه يجزئ، فكذلك الإحرام بالعلة التي مضت، ولا يمكن الفصل بينهما بذكر النية؛ لأن الطواف مفتقر إلى النية كالإحرام، ألا ترى أن رجلاً لو دار حول الكعبة وهو يطلب شيئاً غير قاصد للطواف لم يجز ذلك عن طوافه.
  على أن حصول الإجماع على أن الحج عن الميت يصح - وإن لم يكن يصح أن يكون له نية في حال الحج - لنيته المتقدمة يؤكد ما ذهبنا إليه ويوضحه.