شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب النكاح

صفحة 19 - الجزء 3

  تكسبك العفاف أو لا، بل المراد أنه لا تبقيك على العفاف، لا يجوز أن يكون]⁣(⁣١) المراد به لا تكسبك العفاف؛ لأن المسلمة والكتابية في هذا سواء، فلم يبق إلا أن يكون المراد به لا تبقيك على العفاف، ولا يجوز أن يكون فعل من الأفعال يمنع بقاء فاعله على العفاف إلا إذا كان محرماً، فثبت بذلك تحريم نكاحهن على المسلمين. على أن الدلالة عندنا قد دلت على أن أهل الذمة يكون لهم الإحصان الذي يستحق معه الرجم، فلو كان المراد أيضاً بذلك⁣(⁣٢) الإحصان لكان يفيد أن النكاح أيضاً لا يصح؛ لأن كعباً كان قد حصل له جميع الشرائط الموجبة للإحصان من الإسلام والبلوغ والعقل، ولا يجوز أن يكون نفي إلا النكاح، فقوله⁣(⁣٣) ÷: «إنها لا تحصنك» يفيد أن النكاح بينك وبينها لا يصح؛ إذ لا يصح حمله على أن الإحصان يمنع منه كونها من أهل الذمة؛ لقيام الدلالة على خلافه.

  ويمكن أن يستدل بقوله تعالى: {وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ}⁣[النساء: ٢٥] فشرط الإيمان في الحرائر والمملوكات، فثبت أنه شرط في صحة نكاحنا.

  ومما يمكن أن يعتمد عليه في هذا الباب قوله ø: {ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ}⁣[النور: ٢٦] فجعل جنس الخبيثين والخبيثات بعضهم لبعض، وجعل جنس الطيبين والطيبات بعضهم لبعض، فدل ذلك على ما قلناه.

  فإن استدلوا بقوله تعالى: {ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ} إلى قوله: {وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ}⁣[المائدة: ٥] قيل له: المراد به اللواتي أسلمن والذين أسلموا منهم.


(١) ما بين المعقوفين من الشفاء (٢/ ١٤٧).

(٢) في نسخة: ذلك.

(٣) في المخطوطات: بقوله.