كتاب النكاح
  فإن قيل: كيف تنطلق عليهم سمة أهل الكتاب بعد الإسلام؟
  قيل له: لا يمتنع ذلك، وقد قال الله تعالى: {وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَمَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ}[آل عمران: ١٩٩] فأجرى سبحانه اسم أهل الكتاب مع الإيمان والخشوع عليهم(١)، وقال سبحانه: [{وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ ...} الآية [آل عمران: ١١٠]، وقال أيضاً](٢): {وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ ...} إلى قوله: {مِّنۡهُمۡ أُمَّةٞ مُّقۡتَصِدَةٞۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ سَآءَ مَا يَعۡمَلُونَ ٦٦}[المائدة] فجعل منهم مؤمنين وجعل منهم أمة مقتصدة.
  فإن قيل: هذا وإن ثبت في بعض المواضع فليس هو الظاهر في الشرع، فمن أين لكم أن المراد في هذه الآية ما ذكرتم؟
  قيل له: يدل على ذلك أمران: أحدهما: ترتيب الآية على وجه يدل عليه، والثاني: الخبر الوارد عن النبي ÷.
  فأما ترتيب الآية فهو أن الله خاطبنا فقال: {ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ} ثم قال: {وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ}، ثم ابتدأ بعد ذلك تحليلاً آخر فقال: {وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ} ثم عطف عليه {وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ} فدل ذلك على أن المحصنات من المؤمنات حل لهم؛ لكون تحليلهن معطوفاً على تحليل طعامنا لهم، فوجب كون المؤمنات حلالاً لهم، وهذا لا يصح إلا بعد إسلامهم؛ لأنه لا خلاف أن نكاح المؤمنات لا يحل لهم مع بقائهم على الكفر، فدل ذلك على أن المراد بقوله تعالى: {أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ}(٣) في هذه الآية هم الذين أسلموا منهم، فكذلك قوله: {وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ} اللواتي أسلمن منهم؛ إذ لم يفرق أحد بين الموضعين.
(١) «عليهم» ساقط من (د).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ).
(٣) التلاوة: وطعام الذين أوتوا الكتاب. (من هامش أ).