شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب النكاح

صفحة 21 - الجزء 3

  فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون قوله: {وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ} راجعاً إلى أول الآية حيث يقول: {وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ} دون الذي يليه؟

  قيل له: إن جاز لكم ما ادعيتموه مع أنه صرف لترتيب الآية عن ظاهره جاز لنا أن نقول: {وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ} راجع إلى الكتابيين، حتى يكون تقدير الكلام: وطعامكم حل لهم والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب حل لهم، فتكون المحصنات من المؤمنات حلاً للمؤمنين، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب حلاً للذين أوتوا الكتاب، وجملة الأمر قد ساويناهم في استعمال هذه الآية؛ لأنا قد جعلنا قوله: {ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ} وقوله: {وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ} في حكم المصروف عن الظاهر، وهم جعلوا الترتيب والنظام في حكم المصروف عن الظاهر، وسلم لنا سائر الأدلة، وسقط تعلقهم بالآية.

  والوجه الثاني الذي يدل على أن المراد بقوله: {وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ} اللواتي أسلمن منهن دون المقيمات على الشرك: ما رواه نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله ÷: «من أشرك بالله فليس بمحصن»⁣(⁣١) فدل ذلك على أن إطلاق اسم الإحصان عليهن يوجب أنهن غير مشركات بالله وأنهن مسلمات.

  فإن قيل: فإذا كان المراد بقوله: {وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ} اللواتي أسلمن منهن فما الفائدة بذلك؛ فإنهن وسائر المسلمات سواء.

  قيل له: إن العرب الذين كانوا بمكة ولم يكن إسلامهم عن التهود والتنصر كانوا يأنفون من اللواتي تُبن عن التهود والتنصر ويعافونهن، فأنزل الله تعالى هذه الآية وأزال ذلك الذي كان في نفوسهم.


(١) أخرجه الدارقطني في السنن (٤/ ١٧٩)، والبيهقي في السنن الكبرى (٨/ ٣٧٥).