شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب النكاح

صفحة 42 - الجزء 3

  ويدل على ذلك قوله ÷: «إنما يحرم ما كان نكاحاً حلالاً»، وقد علمنا أن الوطء على سبيل الغلط لا يجوز أن يقال فيه: إنه نكاح حلال. على أن أصحابنا قد قالوا: إن ذلك الوطء حرام؛ فإذا ثبت دخل في عموم قوله ÷: «لا يحرم الحرام الحلال».

  فإن قيل: فلم قلتم: إنه حرام؟ وما أنكرتم على من قال لكم: إنه لو كان حراماً لكان فاعله عاصياً ومستحقاً للذم؟

  قيل له: نقول: إنه حرام لقول الله تعالى: {وَالذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ ٥ إِلَّا عَلَيٰ أَزْوَٰجِهِمْ [أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُهُمْ]⁣(⁣١) ...} الآية [المؤمنون: ٦] فهذا قد وطئ من هي غير زوجة له ولا ملك يمين⁣(⁣٢)، فوجب أن يكون من العادين، وهذا يوجب أن ما فعله حرام، فأما كونه عاصياً ومستحقاً للذم ففيه بعض النظر؛ لأن العاصي يكون عاصياً بفعل ما كرهه الله منه، واستحقاق الذم أيضاً تابع لذلك؛ وقد قال أصحابنا من المتكلمين: إنه لا يجب أن يكون الله تعالى كارهاً لما يفعل على سبيل السهو وإن كان الفعل قبيحاً، إلا أن ذلك لا يخرج الفعل من أن يكون قبيحاً.

  فيجب ما قلناه في هذا الوطء أنه حرام؛ لأن الحرام هو القبيح الذي يقع من المكلف. ويؤيد هذه الطريقة قوله ÷: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». على أنا لو قلنا: إنه قد عصى واستحق الذم لم يبعد؛ لأنه لا بد أن يكون قد حصل منه بعض التقصير؛ لأنه لو تأمل حق التأمل واستكشف الحال فضل استكشاف لعلم.

  ومما يدل على أن ذلك الوطء قبيح: أن لنا المنع منه، ألا ترى أنا لو رأينا رجلاً يريد أن يطأ امرأة أجنبية لغلطة عرضت له كان لنا أن نمنعه من ذلك بكل وجه،


(١) ما بين المعقوفين من (أ، د).

(٢) في (د): وهذا قد وطئ غير من هي له زوجة وغير ملك اليمين.