كتاب النكاح
  يجوز أن يروي شيئاً ثم ينساه، وهذا لا يوجب سقوط الحديث، على أن ذلك الحديث قد رواه عن الزهري غير سليمان(١).
  فإن قيل: نحن نخص هذه الأخبار ونجعلها في التي لم تبلغ، أو المجنونة، أو التي وضعت نفسها في غير كفء، أو في المملوكة، استدلالاً بقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِے أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِۖ}[البقرة: ٢٣٤]، وقوله تعالى: {حَتَّيٰ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُۥۖ}[البقرة: ٢٢٨]، وقوله تعالى: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَّنكِحْنَ أَزْوَٰجَهُنَّ}[البقرة: ٢٣٢].
  قيل له: أما قوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِے أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِۖ} فلا ظاهر له، ولا يصح لكم التعلق به لوجهين: أحدهما: أنه تعالى نفى الجناح عنا فيما فعلن هن في أنفسهن، وهذا لا يدل على أن ما فعلن هن في أنفسهن جائز؛ لأن انتفاء الجناح عن زيد لا يدل على جواز ما يفعله عمرو، وإذا ثبت هذا فلا بد في الآية من ضمير، وإلا لم يكن لها فائدة، ويحتمل أن يكون المراد بها فلا جناح عليكم أن تعقدوا ما فعلن في أنفسهن بالمعروف، فرفع الجناح بشرط أن يكون ما فعلن في أنفسهن بالمعروف، والمعروف هاهنا مجمل لا يعرف المراد به إلا بغيره، فوجب أن يكون ما هو شرط فيه مجملاً، ووجب أن يرجع إلى غيره. على أن الظاهر أن لنا فيما فعلن في أنفسهن فعلاً ينفي الجناح عنا فيه، وليس ذلك إلا تولي العقد عليهن.
  وقوله تعالى: {فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعْدُ حَتَّيٰ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُۥۖ}[البقرة: ٢٣٠]
(١) قال ابن الملقن في البدر المنير (٧/ ٥٥٦): رواه عن الزهري الحجاج بن أرطأة، وأبو بكر الهذلي، ومحمد بن أبي قيس، وقرة بن عبدالرحمن بن جبريل، وأيوب بن موسى، وعثمان بن عبدالرحمن، وهشام بن سعد، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، وسليمان بن يسار، ومالك بن أنس، وهشيم بن بشير، ومعاوية بن سلمة البصري، وجعفر بن ربيعة، وإبراهيم بن سعد، وسفيان بن عيينة، وابن جريج.