شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب النكاح

صفحة 55 - الجزء 3

  مختلفة، فروي: «الثيب أحق بنفسها»، وروي: «الأيم أحق بنفسها»، وفي أواخر الحديث: «واليتيمة تستأمر»، وفي بعضها: «والبكر تستأمر، وإذنها صماتها»، «وإقرارها صماتها»، فكان الحديث حديثاً واحداً واختلفت ألفاظ الرواة، فلا يمتنع أن يكون بعضهم روى ما كان عنده من المعنى، فاعتقد أن قوله ÷: «الثيب أحق بنفسها» يوجب ألا حق للولي في أمرها فروى: «ليس للولي مع الثيب أمر»، والقصد في جميع ذلك بيان الفرق بين الثيب والبكر في الاستئمار، وهذا مما لا خلاف فيه، فإن صح اللفظ فهو محمول على أن المراد به ليس للولي أن يستبد بالأمر دونها.

  على أن من يخالفنا في هذه المسألة لا ينكر أن الثيب إذا كانت صغيرة فلوليها أن يعقد عليها من دون استئمارها، وكذلك الثيب من المماليك، فبان أن الخبر خاص، وصح حمله على ما قلناه.

  فإن قيل: فقد روي أن امرأة جاءت إلى النبي ÷ فوهبت نفسها له فقال: «ما لي في النساء حاجة» فقام رجل فسأله أن يزوجها إياه فزوجه بها⁣(⁣١). ولم يسألها: هل لها ولي، ولم يشترط الولي في جواز العقد.

  قيل له: يحتمل أنه لم يكن للمرأة ولي في الحال؛ فلذلك زوجها؛ إذ ليس في الحديث أنه كان لها ولي فلم يُستأذن في أمرها. وعلى هذا النحو جواب من سأل عن أمر النبي ÷ في ابن أم سلمة بأن يزوجها منه ÷ وهو صغير؛ لأنه لا يمتنع أن يكون الغلام صغيراً في المنظر وقد عرف ÷ بلوغه، أو يكون ذلك خاصاً للنبي ÷، وجملة الأمر أن هذين الحديثين حكاية فعلٍ خاص؛ لأنهما وقعا على وجه مخصوص، فلا يمكن ادعاء العموم فيه.

  ويبين أن ما ذهبنا إليه هو قول على # وقول ابن عباس: [ما] أخبرنا أبو العباس الحسني، قال: أخبرنا أبو أحمد الأنماطي، قال: حدثنا إسحاق بن


(١) أخرجه البخاري (٦/ ١٩٢)، ومسلم (٢/ ١٠٤٠، ١٠٤١).