كتاب النكاح
  بخبر الواحد، فإذا لم يمتنع ذلك في نسخ المسح لم يمتنع في نسخ المتعة. على أن الأخبار الواردة في نسخ المتعة أظهر وأقوى؛ لأن فيها لفظة النسخ عن النبي ÷، وفيها أنه نسخها وحرمها إلى يوم القيامة، وليس في نسخ المسح هذا النص وإن كان ذلك أيضاً ثابتاً صحيحاً، فبان بما بيناه أنه لا يعترض بما ذكروه.
  فإن قيل: ففي القرآن ما يدل على إباحة المتعة، وهو قوله تعالى: {فَمَا اَ۪سْتَمْتَعْتُم بِهِۦ مِنْهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}[النساء: ٢٤] فإذا ثبتت الإباحة بالقرآن فلا خلاف أنه لا يجوز نسخها بخبر الواحد.
  قيل له: ليس في الآية ما يدل على إباحة المتعة؛ لأن الاستمتاع في اللغة هو الانتفاع به(١)، ومنه قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَٰتِكُمْ فِے حَيَاتِكُمُ اُ۬لدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا}[الأحقاف: ٢٠] وقوله تعالى: {فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَٰقِكُمْ كَمَا اَ۪سْتَمْتَعَ اَ۬لذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَٰقِهِمْ}[التوبة: ٦٩] فالمراد بالاستمتاع الانتفاع بهن بالنكاح الصحيح. وما روي عن ابن عباس أنه قرأ: «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى»(٢) فالرواية قد قيل: إنها ضعيفة، وإن ثبتت فيحتمل أن يكون المراد به تأخير المهر، ونحن نُجوز المهر المؤجل، وتفيد الآية - إن صحت الرواية - جواز ذلك، ووجوب الإيفاء إذا حل الأجل، فلا دليل فيه على المتعة على وجه من الوجوه.
  وفيه من طريق النظر أنه عقد معاوضة يقتضي إطلاقه التأبيد، فوجب أن يفسده التوقيت، دليله البيع. وأيضاً هو عقد يختص استباحة الوطء، ولا يجري فيه الطلاق والمواريث مع كون كل واحد من الرجل والمرأة وارثاً وموروثاً، وكون الرجل ممن يصح طلاقه، فوجب أن يكون فاسداً، دليله النكاح الفاسد.
  فأما ما كان يذهب إليه زفر من أن النكاح ثابت والشرط فاسد فلا معنى له؛
(١) كذا في المخطوطات.
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك (٢/ ٣٣٤) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وعبدالرزاق في المصنف (٧/ ٤٩٨).