كتاب النكاح
  قيل له: لا يمتنع ألا يصح منه إسقاطه إذا كان يتعلق به حق الله تعالى، ألا ترى أن ولاية الأب على الابن الصغير حق له، ومع هذا لا يصح منه إسقاطه لَمَّا تعلق بحق لغيره، وهو الابن، ولم يخرجه ذلك من أن يكون حقاً له؟ فكذلك ما اختلفنا فيه.
  فإن قيل: ما أنكرتم على من قال لكم: إن الغرض بالعدة هو استراء الرحم، وهذا الغرض يتم مع التداخل؟
  قيل له: إن العدة وإن كان فيها استراء الرحم فلسنا نقول: إنها لا لغرض فيها سواه، ألا ترى أنها تجب على الصغيرة التي في حكم الطفولية وعلى الآيسة، وتجب من وفاة زوج طفل؟ فإذا ثبت ذلك لم يصح أن يقال فيها: إنها مقصورة على استبراء الرحم.
  وما قلناه من أنها تبدأ بعدة الثاني ثم تبني على ما مضى من عدة الأول حتى تتمها فإن الشافعي يخالف فيه، ويقول: تتم عدة الأول أولاً، فإذا خرجت منها اعتدت للثاني.
  وروى هناد بن السري مثل قولنا عن الشعبي، ومثل قول الشافعي عن إبراهيم(١).
  والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه أنا وجدنا سائر العدد يجب الابتداء بها حين وجوبها وبحيث(٢) تلي موجبها، فكذلك ما اختلفنا فيه، والمعنى أنَّه عدة، أو يقال: إنها عبادة موضوعة في الأصل لاستبراء الرحم. فإذا ثبت أن الابتداء بها واجب حين وجوبها ثبت ما قلناه من أنها تبدأ بعدة الزوج الثاني ثم تتم ما بقي من عدة الزوج الأول. وأيضاً هي عبادة تختص البدن، فوجب ألا يجوز تفويت أدائها لقضاء غيرها؛ دليله من فاتته صلاة فذكرها في آخر وقت الأخرى قبل أن يؤديها.
(١) وروى ذلك عبدالرزاق في المصنف (٦/ ٢١٢).
(٢) في (د): وحيث.