شرح التجريد في فقه الزيدية،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

كتاب النكاح

صفحة 88 - الجزء 3

  قيل له: إن ابن عمر لم ينف أن يكون أجيز يوم أحد على وجه من الوجوه، وإنما نفى أن يكون أجيز يوم أحد في المقاتلة، فيجوز أن يكون أجيز يوم أحد على سبيل الرضخ ولم يجز في المقاتلة، فلما كان يوم الخندق أجيز في المقاتلة، فيكون ذلك جمعاً بين الخبرين.

  ومما يدل على ذلك أنا وجدنا مرور الزمان الذي يكون في الأغلب زمان الحيض يقوم في التي لم تحض مقام الحيض، ألا ترى أن الأغلب في ثلاث حيض أنها تكون في ثلاثة أشهر؟ فجعل ثلاثة أشهر في التي لم تحض قائمةً مقام ثلاث حيض، فوجب أن يكون مضي خمس عشرة سنة يقوم فيها مقام حصول الحيض، والعلة أنه زمان يكون في الأغلب زمان الحيض. وكذلك الاحتلام لما كان في الذكور في باب البلوغ جارياً مجرى الحيض في الإناث وجب أن يكون مضي زمان يكون في الأغلب زمان الاحتلام قائماً مقام الاحتلام في معنى البلوغ.

  ومما يؤكد ذلك ويوضحه أن الأصل فيمن ثبت عقله وتمييزه أن تصرفه له وعليه جائز ما لم يمنع الشرع منه، وكان هذا الاعتبار موجباً أن يكون المرأة والغلام إذا استكملا عقولهما وعرف منهما التمييز أن يصح تصرفهما لهما وعليهما وإن لم يبلغا خمس عشرة سنة، إلا أنا لم نقل ذلك للإجماع، ولما ثبت أن النبي ÷ لم يجر عبدالله بن عمر وهو ابن أربع عشرة سنة مجرى الرجال، فأما إذا بلغا خمس عشرة سنة زال ذلك المانع الشرعي فوجب أن يقال: يصح تصرفهما لهما وعليهما.

  وهذا يمكن أن يجعل قياساً مجرداً⁣(⁣١)، بأن يقال: لا خلاف أن من بلغ ثماني عشرة سنة رشيداً صح تصرفه له وعليه، فكذلك من بلغ خمس عشرة سنة رشيداً، والعلة حصول العقل من دون منع شرعي من ذلك. وليس يتهيأ لهم أن


(١) كذا في المخطوطات.