باب القول في الإماء
  ووجه قولنا: إن البائع إذا كان وطئها يستبرئها قبل بيعها بحيضة أن علوقها من سيدها يُحَرِّم بيعها عليه كما يحرم الوطء على المشتري، فوجب أن يقع الاستبراء قبل البيع كما وجب وقوعه قبل وطء المشتري. وأيضاً وجدنا العدد تلزم قبل العقود التي هي استباحة للفروج(١)، فوجب أن يلزم الاستبراء قبل البيع، والعلة أنه استبراء الرحم، أو يقال: لما كانت موطوءة وطئاً مباحاً لم يجز أن يملك بضعها غير الواطئ لها قبل الاستبراء؛ دليله: لو وطئت بعقد النكاح(٢).
  يؤكد ذلك: أنه إذا كان وطئها فإنه لا يأمن أن تكون قد علقت منه، وأن يكون بيعها قد حرم عليه، فوجب ألا يبيعها حتى يستبرئها؛ لأن الفعل الذي لا يأمن الإنسان أن يكون حراماً فعليه تجنبه، ألا ترى أن من شك في امرأة أنها زوجته أو ليست زوجته لم يجز له أن يطأها حتى يستبين الأمر؟ وكذلك(٣) من شك في شخص أنه عبده أو هو حر لم يجز له بيعه حتى ينكشف ذلك؟ فكذلك لا يجوز بيعها حتى يستبرئها؛ لأنه لا يأمن أن تكون قد صارت أم ولد له(٤)، وما ذكرناه احتياط، وفيه حظر، وفائدة شرعية.
  فإن قيل: لم يوجد في الأصول وجوب عدتين لماء واحد.
  قيل له: العدة والاستبراء جميعاً قد يجبان لا(٥) للماء، ألا ترى إلى وجوب الاستبراء من البكر، ووجوب العدة عليها من وفاة زوجها؟ فبان أنه قد يجب لا
(١) في (أ، ج): الفروج.
(٢) قال في تعليق ابن أبي الفوارس: ولا يلزم عليه ما يقوله أصحابنا، وهو ما ذكره أبو العباس |، سواء كان البائع رجلاً أو امرأة صغيراً أو كبيراً، ثيباً أو بكراً؛ لأن التعليل للأعم الأغلب، ولأنا إذا فرضنا المسألة على الموطوءة قلنا: فإذا ثبت ذلك فلا أحد فصل بين هذا وبين غيره في وجوبه على البائع، على أن ذلك احتياط وفيه حظر وفائدة شرعية.
(٣) في (ج): فكذلك.
(٤) في (د): أم ولده.
(٥) «لا» ساقطة من (ج).